الوقت- تحل علينا الذكرى 27 للوحدة اليمنية المباركة والتي صنعها وحققها ورفع رايتها الشعب اليمني في يوم 22 مايو عام 1990، فالوحدة اليمنية هي توحيد وطني بين الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب وكانت هدفاً لكلا النظامين في الشمال والجنوب منذ ستينيات القرن العشرين.
إن الوحدة اليمنية المباركة هي منجز عظيم تحقق للشعب اليمني بعد أن كان يعيش في شطرين منفصلين وفي ظل حالة من البؤس والاضطراب والخوف وبتوفيق من الله عز وجل توحد الشعب اليمني، فأصبح اليمن شعب واحد لا فرق بين الإنسان الجنوبي ولا الإنسان الشمالي.
تحل علينا هذه الذكرى ودولة اليمن واقعة تحت ضراوة وبشاعة صواريخ طائرات العدوان السعودي الغاشم والتي أتت لتنفذ المرحلة الأخيرة من تآمر السعودية والتي احرقوا من خلالها كل شي ودمروا كل المنجزات والبنية التحتية وقتلوا وجرحوا وشردوا عشرات الألاف من أبناء اليمن في ظل صمت وتخاذل عربي وخارجي.
ان الوحدة اليمنية تتعرض لمؤامرة مزدوجة داخلية وخارجية. فعلى المستوى الخارجي تتعرض هذه الوحدة الفتية لمؤامرة إقليمية خاصة من الدول التي ناصبتها العداء من أول يوم لتحقيقها وفي مقدمة ذلك السعودية إذ يروق لها ولغيرها من عدد من الدول الإقليمية أن ترى اليمن دويلات هزيلة ومفككة يسهل السيطرة عليها وتطويعها لمصالحها الإقليمية، والأدهى والأمر من ذلك هو الخطر الداخلي الذي يتهدد مصير هذه الوحدة ويتم تغذيته من الخارج وهو ما نلاحظه الآن من سير البلاد نحو التجزئة والتشطير بأيدي عملاء السعودية والامارات بعلم وفهم وإدراك لما يقومون به من مؤامرة تهدد مصير وحدة البلاد وسلامة أراضيها .
لقد مرت الوحدة اليمنية بمنعطفات خطيرة منذ قيامها لكنها لا ترقى إلى مستوى الخطورة التي تمر بها اليوم ، لقد بات التشطير والتجزئة هدفا لبعض القوى السياسية المنفذة لأجندة خارجية دون أن تعي أنها ترتكب جريمة بحق التاريخ اليمني الحديث والمعاصر. وبنظرة موضوعية ومنصفة يجب النأي بالوحدة اليمنية بعيدا عن الصراعات الحزبية الضيقة وجعلها قاسما مشتركا يتصارع تحت سقفها جميع فرقاء العمل السياسي في البلاد والعمل على تقويتها وتجذيرها في بنية المجتمع اليمني وغرس قيم الوحدة في نفوس أبناء الوطن كافة .
لقد كانت الوحدة اليمنية نقطة تحول كبير في المنطقة خاصة أن التلاحم اليمني كان كبيراً ومرحباً بهذه الوحدة كما رحبت بها معظم شعوب العالم لكن أتت حرب الخليج الأولى لتدخل الوحدة اليمنية في امتحان صعب استطاعت أن تتجاوز كل الصعاب برغم أن اليمن اتخذت موقفاً مغايراً للدول الخليجية في الموقف من احتلال العراق للكويت ولقد تعرضت الوحدة إلى هزة قوية في ١٩٩٤م ولكن استطاعت اليمن أن تتجاوز هذه المحنة لتظل الوحدة اليمنية حلماً عربياً في زمن الانتكاسات وبعد ٢٠١١م تحولت الوحدة اليمنية إلى قضية سميت بـ"القضية الجنوبية" التي بدأت بحراك جنوبي لتحقيق بعض المطالب لبعض العسكريين. وأثناء هذه الفترة الزمنية تعرضت الوحدة اليمنية إلى أخطر المراحل خاصة بعد أن دعمت السعودية ما يسمى بالشرعية برئاسة هادي وتم تقاسم الإمارات للجنوب وعدن بشكل خاص مما يعرض اليوم الوحدة اليمنية لأكبر خطر تاريخي تتحمل تبعاته كل من السعودية والأمارات وإفشال أهم حدثعربي في القرن العشرين ولكن زمن الاحتلالات قد ولى وستعود المقاومة الشعبية لطرد المحتلين من أرض اليمن لأن اليمن على مر العصور لا تقبل الغزاة.
إن الحفاظ على الوحدة اليمنية أمانة تاريخية يتحملها كافة أبناء الوطن في صون وحدة قُدر لها أن تتم بطريقة سلمية أذهلت العالم وحيرت الباحثين والمتابعين والمراقبين الذين وقفوا يتابعون اليمنيين وهم يؤسسون لتجربة فذة وفريدة في معالجة إشكالية الوحدة اليمنية بعقلانية وهدوء مستحضرين في ذلك تراث حضاري كبير ضارب جذوره في أعماق التاريخ اليمني. وكان لهم ما أرادو وتحققت لهم وحدة الوطن والتأم الشمل وانتهى التشطير إلى غير راجعة وأصبح ماض مؤلم يتم تذكره بمرارة. لا أساس ولا مبرر ولا قناعات لدى دعاة الانفصال وعلى رأسهم عيدروس الزبيدي لمحاكمة الوحدة كفعل إنساني سامي سواء نزاعات أنانية ضيقة ومصالح شخصية وارتهان لقوى خارجية أعمت بصرهم وبصيرتهم لتمتد الإساءة لوحدة الوطن التي فاخر اليمانيون العالم كله بتحقيقها.
اليوم الوحدة اليمنية التي أكملت ربع قرن من عمرها يجب أن نقف منها موقفا يتسم بالمهابة والاحترام لهذا المنجز العملاق الذي لم يأت بمحض الصدفة وإنما كان حصيلة لنضال طويل وشاق خاضته كوكبة لامعة من أبناء الوطن وسعت إليه بكل غالِ ونفيس وآمنت إيمانا حقيقا أن مستقبلا مشرقا للوطن وأبنائه مرهون بتحقيق هذا المنجز العظيم الذي فتح آفاق رحبة أمام طموحات وأحلام أبناء اليمن.