الوقت- اختار الرئيس الأمريكي الجديد أن تكون السعودية محطته الأولى في زياراته الخارجية. وهو ما ينطوي على العديد من الدلالات، وتقف خلفه العديد من الأسباب ويهدف لتحقيق مآرب عدة. فاختيار المحطة الأولى للرئيس الأمريكي، لم يكن صدفة. وهو ما سنحاول تبيينه في هذا المقال. في حين يمكن اختصار الزيارة بأنها محطة لوضع الحجر الأساس للسياسة الأمريكية تجاه المنطقة والهادفة لجعل المنطقة سوقاً لإستراتيجيات أمريكا على الصعد السياسية والعسكرية والإقتصادية والأمنية. فما هي خلفيات وأهداف الإنطلاقة الأمريكية دولياً عبر السعودية؟ وما هي الدلالات التي يجب الوقوف عندها؟
الخلفيات والأهداف
عدة مسائل يمكن من خلالها توضيح الخلفيات التي تدفع للزيارة، وهي نفسها تُمثِّل الأهداف. نُشير لها في التالي:
أولاً: تسعى واشنطن لتثبيت اختلاف سياستها عن الإدارة الأمريكية السابقة عبر إظهار اعتمادها على الحليف السعودي الغائب عن أبرز التأثيرات الإقليمية. وهنا يجب لحاظ أن مسألة اختيار المحطة الأولى لزيارة الرئيس الأمريكي دولياً، تحظى بدراسة من مراكز القرار الأمريكي، وهو ما يعني أن تقييم أهداف ودلالات الزيارة يستحق الوقوف عنده، بغض النظر عن نتائجه المتوقعة.
ثانياً: من خلال قراءة الإصطفاف السياسي الحاصل في المنطقة، يمكن ملاحظة أن الساحة الإقليمية لا تتضمَّن أياً من الأطراف القادرين على تحقيق الطموح الأمريكي بالوكالة. وهو ما استدعى ضرورة إعادة تعزيز واشنطن لحضورها عبر التأسيس لشبكة من حلفائها بالإعتماد على الأسس المعتادة طائفياً ومذهبياً. مع الأخذ بعين الإعتبار أن الواقع الحالي يتضمَّن حلفاء لأمريكا هم على علاقة علنية مع الطرف الإسرائيلي.
ثالثاً: إن اختيار السعودية وليس غيرها، جاء لأسباب تتعلق بأنها تُعتبر مرجعية المسلمين السنة سياسياً. وهو ما يجعلها في موقع القادر على التحريض، والتجييش وتأمين المقومات التي تتوافق مع رؤية الرئيس الأمريكي الجديد. والذي لم يكن خطابه يوماً بعيداً عن العنصرية والتحريض. في حين تتحمل الرياض مسؤولية التحضير لزيارته وإقناع الرأي العام العربي والإسلامي بأن دونالد ترامب يحترم المسلمين وهو اختار أن يبدأ جولاته الدولية من السعودیة.
رابعاً: شكَّلت السياسة السعودية بتشددها وتعصُّبها دليلاً كافياً لواشنطن، لإختيار الرياض كمُدير مُطيع للسياسة التنفيذية الأمريكية في المنطقة، والقائمة علی إيران فوبیا ، ومحاولة ضرب الصورة الناصعة التي استطاعت طهران نسجها لدى الشعوب. فالهدف الأمريكي الأول هو حصار ایران، عبر الأداة السعودية وحلفائها.
خامساً: إن إعادة إحياء العلاقات السعودية الأمريكية، وتنصيب الأمريكي للرياض كطرف محوري، لا يهدف فقد لأسباب سياسية حالية وعسكرية مستقبلية، بل إقتصادية تتماشى مع السياسات الأمريكية السابقة في جعل السياسات التنفيذية للحلفاء ضد شعوب المنطقة، فرصة لتفعيل تجارة السلاح العالمية وجعل المنطقة سوقاً للسلاح الأمريكي.
سادساً: تهدف أمريكا للتسويق لمشروعها الإستراتيجي المتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، عبر تجديد طرح مشروع السلام الفلسطيني الإسرائيلي ضمن الرؤية الأمريكية، والذي سيكون ثمناً لإعادة دور السعودية في الإقليم. وهو ما يصب في خانة الطرف الإسرائيلي ويُظهر حجم التآمر الذي تقوم به الأنظمة العربية تجاه شعوب المنطقة.
الدلالات التي يجب الوقوف عندها
عدة دلالات يمكن الإشارة لها في التالي:
أولاً: تفضح زيارة ترامب، الحقيقة التي سعت السعودية لإخفائها، حول دورها المُخادع في الصراع العربي الإسرائيلي وتآمرها ضد قضايا شعوب المنطقة. وهو ما لا شك أن السياسة السعودية فضحته، لا سيما تلك المتعلقة بملفات المنطقة تحديداً سوريا والعراق، بالإضافة الى العدوان السعودي على اليمن. لكن يجب عدم إغفال أن الزيارة ستأتي بعد ظهور العلاقات السعودية الإسرائيلية الى العلن والحديث العربي بضرورة تعزيز هذه العلاقات. لتكون الرياض منطلقا لواشنطن الجديد لتحقيق المآرب الإسرائيلية.
ثانياً: تُبيِّن الزيارة حجم الإفلاس الأمريكي في المنطقة. فالوعود التي أبرزها ترامب خلال حملته الإنتخابية والتي هاجم فيها السعودية، تتناقض مع توجهاته الجديدة. وهو ما يعني أن التخبط الأمريكي الحالي في السياسة الخارجية، يعود لرهانات واشنطن الجديدة الفاشلة والتي أجبرتها على إعادة إحياء سياساتها القديمة، تجاه حلفائها. حيث لا تمتلك أي بديل، لا سيما بعد فشل محاولاتها لضرب الحلف الروسي الإيراني الإستراتيجي.
ثالثاً: تدل الزيارة على فشل السياسة الأمريكية لإضعاف إيران. حيث أن ما قامت به الإدارة الأمريكية السابقة من محاولة لجعل الإتفاق النووي فرصة لإزالة مكامن القوة التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية، فشل. وهو ما يمكن إثباته من خلال عودة إدارة العهد الجديد للإعتماد على كل من الرياض وتل أبيب واللتين عارضتا بشدة الخيار الأمريكي السابق تجاه طهران، لا سيما رضوخ واشنطن لتوقيع الإتفاق النووي معها.
إذن، ليس بعيداً عن واقع الحال الذي تعانيه السياسة الدولية الأمريكية، تأتي زيارة دونالد ترامب الى الرياض. فاختيار الرياض ليس لمكانتها بقدر ما هو محاولة لتوجيه البوصلة من جديد نحو سياسات التجييش والتحريض الطائفي والذي لا يمكن أن تنجح بها إلا السعودية. في حين يُنتظر ما ستؤول إليه الزيارة والتي لن تأتي بالخير حتماً، لشعوب هذه المنطقة!