الوقت- مما لا شك فيه أن أنظمة القضاء في عالمنا العربي, تشهد الكثير من التجاذبات السياسية, والتدخلات التي يفرضها واقع التركيبة للأنظمة العربية, وهذا ما يشترك به القضاء المصري, إن كان في عهد الرئيس السابق حسني مبارك, أو في المرحلة التي جاءت بعده, ومما لا شك فيه أن النظام الحالي القائم بشكل أو بآخر له طابع عسكري, يرخي بظلاله وهو أمر تفرضه طبيعة الحكم.
آخر قرارات القضاء المصري, جاءت بتبرئة الرئيس حسني مبارك وأعضاء حكمه السابقين من التهم الجنائية التي وجهت اليهم, والإكتفاء بسجن مبارك لمدة ثلاث سنوات, وبهذا القرار أصبحوا احراراً طلقاء, مبرئين من التهم التي وجهت اليهم من دماء الشهداء, إلى جرائم نهب المال العام, لتتسابق وتتوالى ردود الفعل بين مؤيد مدافع, ومستنكر معترض على حكم المحكمة. لكن كلمة الفصل في ذلك تبقى لفقهاء القانون الذين أوضحوا التهم الموجهة إلى الرئيس السابق وبالتالي العقوبات المترتبة على ذلك.
فقد قضت محكمة جنايات القاهرة يوم السبت بسجن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وابنيه علاء وجمال ثلاث سنوات لكل منهم في إعادة محاكمة في قضية فساد. وعرفت القضية إعلاميا بقضية القصور الرئاسية واتهموا فيها بتحويل جانب من مخصصات قصور الرئاسة خلال حكم مبارك لقصور ومكاتب يملكونها ملكية خاصة. وقال رئيس المحكمة المستشار حسن حسانين إن المحكمة قضت أيضا بتغريمهم "متضامنين فيما بينهم مبلغا قدره 125 مليونا و779 ألفا و237 جنيها و53 قرشا (نحو 16 مليونا و485 ألف دولار) وإلزامهم متضامنين برد مبلغ قيمته 21 مليونا و197 ألفا و18 جنيها و53 قرشا" إلى الخزانة العامة للدولة.
ففي تعداد لأبرز ما جاء من انتهاك حسني مبارك وأعوانه في الحكم لإنتهاكات قانونية, والجرائم المترتبة على ذلك, يمكن ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
1- ارتكب حسني مبارك 8 جرائم جنائية، خمس منها عقوبتها السجن المشدد لمدة تصل إلی 90 عاماً، والجرائم الثلاث الأخری عقوبة كل منها الإعدام. وفي توضيح للجرائم الثمانية التي وجهت للرئيس السابق حسني مبارك, فقد اوضح أربعة من كبار فقهاء القانون أن الجرائم الجنائية الثمانية المتورط فيها مبارك تشمل إهدار المال العام، وتسهيل الاستيلاء عليه، وتزوير الانتخابات، وإطلاق النار علی المتظاهرين، وتزوير إقرارات الذمة المالية التي قدمها طوال توليه رئاسة مصر، والإضرار بالاقتصاد الوطني والحنث باليمين، فضلاً عن قتله لآلاف المعتقلين السياسيين، وهو خلاف ما أقسم عليه مبارك عند توليه الحكم بالحفاظ على الدستور والقانون وأن يرعی مصالح الشعب رعاية كاملة وان يحافظ علی سلامة الوطن وسلامة اراضيه.
2- مخالفة مبارك لقسمه الذي أقسمه امام القانون حين تسلمه للسلطة, لـ 6 مرات, وهي عدد المرات التي انتخب فيها رئيسا للبلاد, سواء من خلال انتهاكاته سابقة الذكر أو من خلال ما نقله بعض معاونيه, في أن مبارك وفي سنوات حكمه الأخيرة, قلد مقاليد الحكم إلى زوجته وابنه, وهكذا إجراء يعد مخالفة صريحة وواضحة للوطن, وهي ما يعاقب عليها الدستور بحكم الإعدام, وهذا ما أكدته المراجع القانونية والدستورية, وهو ما أكده أيضا الدكتور حسن السباعي, الفقيه في القانون الجنائي.
3- قضية إطلاق الرصاص علی المتظاهرين والتي ليس لها إلا معني واحد وهو أن مبارك هو الذي اصدر اوامر إطلاق الرصاص وهذه جريمة عقوبتها الإعلام، بحسب مدعي النيابة العامة حبيب العادلي. وبحسب قوله فإن الإعدام هي العقوبة التي حدها القانون لمن يرتكب جرائم خطف وقتل مواطنين ابرياء وهي الجريمة التي ارتكبتها وزارة الداخلية طوال سنوات حكم مبارك حيث تم قتل آلاف المعارضين والاسلاميين في معتقلات أمن الدولة وهي جريمة بشعة يحاسب عليها حسني مبارك نفسه باعتباره كان رئيساً للجمهورية.
4- الإضرار بالاقتصاد الوطني، وهي جريمة جنائية, تمثلت من خلال تصدير الغاز للکیان الإسرائيلي بثمن بخس يمثل جريمة إضرار بالاقتصاد الوطني وعقوبتها السجن المشدد لمدة تتراوح بين 5 سنوات و15 سنة، وأيضاً وضع مبارك لأمواله في بنوك أوروبا وأمريكا يمثل جريمة إضرار بالاقتصاد الوطني، حيث كان يجب عليه ايداع تلك الاموال في بنوك مصر ليستفيد منها الاقتصاد الوطني، خاصة وانه كان الذي يدير الاقتصاد، أما وضعها في بنوك اجنبية فيمثل جريمة في حق مصر من ناحية ومن ناحية اخري يعكس عدم ثقته في الاقتصاد الذي يديره، وهذه الجريمة عقوبتها السجن المشدد لمدد تتراوح بين 3 سنوات و10 سنوات.
5- تزوير جميع اقرارات الذمة المالية التي قدمها طوال سنوات حكمه، حيث اخفی قيمة ثروته الحقيقية, كما انه مسؤول عن تزوير الانتخابات البرلمانية التي اجريت في عصره ومثل هذه الجرائم تتراوح عقوبتها بين السجن لمدة 3 سنوات و15 سنة.
6- تورط مبارك أيضاً في جرائم اهدار المال العام وتسهيل الاستيلاء عليه وهو ما ثبت بشكل كامل في موافقته الصريحة علی بيع اراضي الدولة بثمن بخس وترك كبار مساعديه لكي يتربحوا من مناصبهم ويستولوا علی المال العام بدون وجه حق.
7- تورط مبارك في ارتكاب 10 جرائم جنائية وهي التربح واختلاس المال العام وتلقي رشاوي والنصب وتسهيل الاستيلاء علی المال العام واهدار المال العام وتزوير انتخابات مجلس الشعب، إضافة الی المشاركة في التخطيط لموقعة الجمل التي راح ضحيتها عدد كبير من متظاهري التحرير. وأكد القانونيون الأربعة (د. إبراهيم درويش ود. حسن السباعي وسعد عبود ومحمد منيب) ان عقوبة هذه الجرائم هي السجن المشدد لمدد تتراوح بين 70 سنة و150 سنة.
أمام حجم هذه الجرائم الجنائية الواضحة العقوبة بنظر مراجع القانون المصري, وبعد صدور الحکم الذي لم يكن ينتظره أحد لهشاشته أمام حجم الجرائم, فقد توالت المواقف المستنكرة, نعرض بعضا منها:
- تجمع عدد من المتظاهرين، على أطراف ميدان التحرير من ناحية ميدان عبد المنعم رياض، للاعتراض على الحكم الصادر ببراءة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ووزير داخليته، حبيب العادلي، في قضية قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير 2011, وردد المتظاهرون هتافات "عيش حرية عدالة اجتماعية" و"حق الشهداء راجع راجع".
- دعوات من حركات شبابية, وخاصة حركة 14 فبراير, للتظاهر في الشوارع والتي بدأت تلحظ قبولا, خاصة أن الشعب المصري عانى ما عاناه من النظام السابق.
- مواقف لرموز معارضة تتالت مشجبة ومستنكرة للحكم الصادر مطالبة المحكمة بإعادة البت بالقضية.
- صفحات التواصل الإجتماعي والتي امتلأت بردود الأفعال, والتعليقات بين قلة مؤیدة واكثرية كبيرة معارضة.
ويبقى الرأي الأخير لطريقين أساسين, ومرجعين كبيرين, يعتبران العمدة الأساس في بناء أي دولة, والركيزة الأساس لاستمرارها, ألا وهما القانون والشعب, إذ لا يمكن تجاهلهما بأي شكل من الأشكال, والعدالة ستأخذ مجراها وستنتصر.