الوقت- بين مؤيد ومعارض تلقّى العالم الوثيقة السياسيّة لحركة حماس التي تضمّنت 42 بنداً و12 محوراً. وفي حين وجد فيها البعض تجديداً لثوابت المقاومة، وجد فيها آخرون حركة سياسية تتماهى مع خطوات فتح "أبو عمار" التي وضعت خيار المقاومة جانباً، وليس فتح "محمود عباس" التي وضعت الكيان الإسرائيلي إلى جانبها في مواجهة المقاومة.
الوثيقة السياسية التي لنا فيها رأي آخر عما ذكر أعلاه، أوجدت لدى القارئ حالة من التذبذب عن حماس التي تأسست قبل 30 عاماً، وحماس التي وصلت إلى السلطة قبل 11 عام، وهو ما لمسناه من خلال بعض العبارات الصريحة، والأخرى الفضفاضة، التي تحمل الوجهين، وقد وضعت حماس في موضع الشبهة، ومن وضع نفسه موضع الشبهات لا يلومن من أساء الظنّ به.
وما زاد في طينة حماس بلّةً أمور عدّة في مقدّمتها مسألة التوقيت باعتبارها جاءت قُبيل قمة عباس- ترامب الخاصة بالتسوية، فضلاً عن جملة من المتغيّرات الإقليمية والدوليّة، فهل حقّاً تنازلت حماس عن مقاومتها أم رسّختها بلغة حصرية اختلفت بين الميثاقين القديم والجديد.
لا شكّ أن أيّ حركة مقاومة، وتحديداً سياسيّة، يُفترض بها أن تُجري مراجعة لمبادئها العامّة بعد فترة محدّدة، لأن هذا الأمر بمثابة "الرؤية" التي تضعها الدول لعشرين وثلاثين وخمسين عام. خاصّة أن ظهور متغيّرات جديدة وغياب أخرى قديمة يجعل من هذا الواقع تحدّياً أساسياً، فماذا حصل مع حماس؟
نقاط القوّة والضعف
كثيرة هي نقاط القوّة التي تضمّنتها الوثيقة الجديدة من جملتها: عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، عدم التنازل عن أيّ جزء من أرض فلسطين، رفض جميع التصفيات والمبادرات ومشروعات التسوية الرامية إلى تصفية القضيّة، رفض المساس بالمقاومة وسلاحها، المشروعيّة في مقاومة الاحتلال والصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعاً مع اليهود بسبب ديانتهم.
ويبدو واضحاً أن نفَس حماس المقاوم، يخرج من أغلب بنود هذه الوثيقة التي جاءت بناءً على متغيّرات داخلية وخارجيّة، إلا أن هذه المتغيّرات، وكما اسمها، متغيّرات أي يجب أن تبقى متغيّرات ويدخل المتغيّر منها في سياق برنامج سياسي مناور، وليس ميثاق استراتيجي سيدرّس للأجيال القادمة.
ورغم طفرة نقاط القوّة في الوثيقة الجديد إلا أن محاولة حماس في بعض بنودها تقديم بعض التنازلات، لحشر الكيان الإسرائيلي ومن خلفه المجتمع الدولي، جعلها موضع الشكّ من خلال موافقتها على دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، دون فصل الدولتين. أي أنها حاولت إيجاد ورقة أقل حدة وأكثر غموضا مع الغمز السياسي للمجتمع الدولي.
البند 20
لعلّ النقطة الأبرز التي وضعت الحركة المقاومة موضع الشكّ هو ما يتعلّق بحدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، التي وردا في البند 20، إلا أنها حاولت تذليل هذا الأمر بعبارة "صيغة توافقية وطنية مشتركة"، وهنا من حقّنا أن نتوجّه لحركة حماس بالسؤال: هل ما يقوله عباس هو الصيغة الوطنية المشتركة؟ وهل هذا هو رأي كافّة الفصائل المقاومة؟ ماذا عن شعب غزّة والضفة؟ وهل قامت الحركة باستفتاء شعبي خرج بهذه النتيجة، أم أنها صناعة الغرف القطرية والتركية التي لا يمكن إلغاء بصماتها الخفيّة عن الوثيقة الاستراتيجية.
لا نوافق حماس بأنها صيغة وطنيّة مشتركة، بل ضرورة حزبية وليست خيار الأمّة، إلا إذا فسّرتها بأن المطالبة بالجزء لا تعني التنازل عن الكل، ولكن هل سيفسّرها كذلك الشارع العربي، فضلاً عن الكيان الإسرائيلي والمجتمع الدولي؟
حماس أرادت اللعب على الحبال السياسيّة من خلال تقديم هذا التنازل في رؤيتها الاستراتيجية، رغم إدراكها المسبق بعدم قبول الكيان الإسرائيلي بهذا التنازل، وهذا ما ظهر سريعاً على لسان نتنياهو الذي أراد التنازل أكثر فأكثر معتبراً الوثيقة تضليلاً للعالم، ولاحقاً الخارجية الأمريكية، التي أكّدت أن موقف بلادها من حركة حماس "لم يتغير"، وأنها ما تزال "مدرجة في التصنيف الخاص للإرهاب الدولي".
نعتقد أن حماس، ودون قصد، قد وقعت في الفخ الغربي الإسرائيلي، ولعل قولها "الألف" سيجرّها إلى قول "الياء"، أي قولها بحدود الرابع من حزيران قد يجرّها إلى عملية مصالحة سياسيّة، فإسرائيل تريد كل شيء من دون أن تقدّم أي شيئ، وهذا ما قد يعرّض الحركة للانقسام والشرذمة لاحقاً.
الخلاصة
لم تتخل حماس عن المقاومة، إلا أنّ حماس قبل الوثيقة تختلف عن حماس ما بعدها، باعتبار أن فلسطينها ليست "من البحر إلى النهر"وفق كثيرين رغم أن بعض عبارات الوثيقة تؤكد عكس ذلك ولعل " أرضُ فلسطين"(من البحر إلى النهر) في الوثيقة خير دليل على ذلك. ليس من حقّ أحد أنّ يُقوّل حماس ما لم تقله، وليس من حقّ آخرين أن يأخذون ببعض الوثيقة ويتركون بعضها. نرى أن ما فعلته حماس تغييراً في التكتيك، وليس الاستراتيجيّة، ليس من طلب الحق فأخطاء كمن طلب الباطل فأصابه، وما يمكن تأكيده أن حماس طالبة للحق، أصابت جزءه الأكبر، ولعلّها أخطاءت في بعضه.
قد تكون حماس انسجمت مع الواقع الدولي في نظر كثيرين، إلا أنّها في نظر آخرين قد انسلخت عن الواقع التاريخي والشعبي الرافض لحدود العام 1967، ولكن الغموض الذي أرادت منه حماس اللعب على الغرب، قد يجرّها إلى مغامرة التخلّي عن جزء من فلسطين، وكما يقول البعض "صعود السلّم درجة درجة".. فاحذروا يا أبناء الشهيد "احمد ياسين" وإخوان الشهيد "مازن الفقها"، التاريخ والشعب الفلسطيني لا يرحم التنازل فيما يخص القضيّة، ومن جاء بحماس "المقاومة" يأتي بغيرها.