الوقت- تشهد المنطقة تحولات جذرية ومشاريع(متعددة الجنسيات) وتظهر مصطلحات جديدة ومفاهيم وطروحات، وربما كل ذلك من نتائج( الفوضى الخلاقة)ومشروع الشرق الأوسط الجديد، وربما لم يشهد العالم خلال عقود سابقة مشاريع تطرح بهذه الكثافة والخطورة على ما كنا نسميه الأمن القومي العربي، ومعاهدة الدفاع المشترك، وميثاق الشرف العربي، وكانت معظم محاضراتنا حول المشروع القومي العربي في مواجهة المشروع الصهيوني ... والتضامن العربي وقضية فلسطين هي قضية العرب الأولى (والتي يبدو بأنها الخاسر الأكبر) بعد محاولة تدمير آخر بلد عربي من دول الطوق لم يوقع اتفاق تسوية مع الكيان الإسرائيلي إضافة للبنان (المقاوم) وهذا البلد الذي لم يوقع كما معروف هو سورية، لذلك كان لا بد من تدفيعه الثمن، ولكن هذه المرة ليس بالطائرات الإسرائيلية، بل من خلال ما سمي بربيع الشعوب العربية وتحت عناوين براقة، ثورة، وحرية، وديموقراطية، وتغيير أنظمه(جمهورية فقط).
والأمور الخطيره هنا ليس في الربيع بحد ذاته وإنما في طبيعة الفاعلين وتمويلهم، وتأتي الخطورة كونها ترمي إلى تحقيق هدفين أساسيين استراتيجيين غير مباشرين من خلال:
1-تحويل بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي التقليدي إلى صراع إثني وطائفي مع بث الأحقاد والخلافات القديمة والعمل على تقسيم البلدان وفق أحد هذين المشروعين(الطائفي او الإثني).
2-استنزاف القوى العربية والإسلامية من خلال سباق تسلح لم تشهده المنطقة إيذانا بحرب تسخن جبهاتها قد لا توفر بلدا وقد يطول الصراع لعقود مادامت الأموال والدماء عربية واسلامية والمستفيد الأكبر هم أعداء العروبة وأعداء الإسلام، ومعامل السلاح الغربي عموما والأمريكي الاسرائيلي خصوصا.
ولا أعتقد بأن انسان عاقل يمكن أن يصدق بأن هذه الفوضى الخلاقة تأتي لمصلحة شعوب المنطقة! أو شعارات التغيير والديمقراطية أو مجتمع مدني أو حرية الشعوب أو مصلحة مواطني الدول المستهدفة. ولا نعتقد بأن المؤتمرات التي تعقد يمكن أن ينتج عنها قرارات يمكن أن تؤدي لسلام واستقرار، سواء في سورية أو اليمن أو ليبيا، لأن مخطط(كرة النار)لم يحقق غاياته بعد، فلم تسقط الدولة السورية، ولم ينفرط محور المقاومة، ولم ينتهي المال الخليجي، وبالتالي فالمشروع مستمر ولن يتوقف إلا بانتصار وحسم وتراجع للمشروع الأكبر من (مؤتمر كامبل بنرمان1905)حتى مشروع (الشرق الأوسط الجديد).
ويمكن القول بأن هذه المشاريع تواجه عقبات ربما تشهد تحولات وتغييرات قد لا تصب في مصلحة مخططي هذه المشاريع، خاصة في ظل التبدلات والتغيرات على الصعيد العالمي، مثل ارهاصات تشكل نظام عالمي جديد بدت ملامحه على أرض الواقع وخاصة بعد الفشل الغربي والأمريكي في حروب ومغامرات سابقة، وربما تغيير في الاستراتيجية الأمريكية والتي يبدو وبدون مبالغة، بأنها تلتحق بأوروبا العجوز في(شيخوخة مبكرة) وتبدأ بإخلاء الساحات لفاعلين آخرين بعدما تفشى الإرهاب الموظف والمصنع أمريكيا وخاصة بعد الأزمات الإقتصادية التي تتحدث عنها كبريات الصحف ومراكز البحوث الأمريكية مثل معهد كارنيغي ومؤسسة راند وغيرهما من مراكز أبحاث استراتيجية، وبالتالي فالمشاريع في المنطقة برمتها قد لا تجد طريقها إلى التنفيذ، وليست قدرا على شعوبها أن تستسلم له.
وأما من يسير مع المشروع الأمريكي فعليه أن يقرأ بإمعان النتائج، وقد يكون الحلقة الأضعف في أقرب فرصة، كونه أداة وجزء من المخطط الجهنمي الذي يشارك به بحماس، ويدفع باتجاهه، وسيندم حيث لا يفيد الندم.
بقلم الباحث السياسي السوري: طالب زيفا