الوقت- لم تكشف زيارة السيد عمار الحكيم لمصر عن مدى إمكانية التأثير العراقي في الملفات الإقليمية فحسب، بل كشفت أيضاً عن حجم الوعي الذي تتمتع به القيادة العراقية كما المصرية في مقاربة الملفات، لا سيما تحديات المنطقة ومحاربة الإرهاب. وهو ما يُعتبر جديداً في تأثيراته بعد أن حاولت العديد من الأطراف الإقليمية تحجيم الدور المصري والعراقي لفترة طويلة من الزمن. الأمر الذي جعل من زيارة الحكيم محطَّ جدل واسع وكبير. فماذا في أهم ما رشَح عن لقاءات الحكيم؟ وكيف يمكن قراءة دلالات الزيارة بشكل موضوعي؟
عمار الحكيم يكشف عن مبادرة لعقد اجتماع إقليمي
كشف رئيس التحالف الوطني السيد عمار الحكيم عن مبادرة عراقية لعقد اجتماع إقليمي للعمل على حل أزمات المنطقة عبر الحوار. معتبراً أن مصر دولة قوية ومؤثرة ولها دور ريادي في المنطقة. وكان قد التقى الحكيم الرئيس المصري ووزير الخارجية سامح شكري وشيخ الأزهر أحمد الطيب خلال زيارته. وأكد الحكيم أن التحديات المشتركة التي تواجه مصر والعراق تتطلب تعاوناً في الملف الأمني بين البلدين، مشيرا إلى أن الاٍرهاب هو نتيجة للفكر التكفيري وهو ما يحتاج إلى مراجعات من الأزهر والنجف عبر عقد لقاء بينهم لإشاعة الإعتدال والفكر الإسلامي الصحيح معتبراً أن الأزهر الشريف مدرسة اعتدال ووسطية وتوازن .ولم تغب المصالح الإقتصادية عن لقاءات السيد الحكيم، حيث أكد على وجود رغبة لتبادل المشاريع الإقتصادية بين البلدين.
أهمية الزيارة من حيث الدلالات والرسائل
عدة دلالات يمكن الخروج بها، نُشير لها في التالي:
أولاً: جاءت الزيارة بعد التفجيرات الإرهابية التي استهدفت الكنائس في مصر مؤخراً. وهو ما أعاد التحدي الإرهابي ليكون أولوية لدي القيادة المصرية، خصوصاً تنظيم داعش الإرهابي. فيما بدا واضحاً من خلال المواقف التي أطلقت، وجود توافق مصري عراقي على أن الفكر السلفي هو الذي يتحمل مسؤولية هذه الأعمال، حيث لا يغيب عن أحد أن السلوك التكفيري والذي تدعمه بعض الدول في المنطقة، بات من الأمور المرفوضة لدى شعوب ودول الإقليم. مما جعل التعاون والتكاتف بين إثنين من أبرز المرجعيات الدينية في العالم العربي والإسلامي، أي الأزهر والنجف، أمراً ضرورياً للتعبير عن رفض هذا الفكر المتطرف.
ثانياً: إن لمصر موقع مميز ودور استراتيجي في المنطقة. وهو ما تسعى بعض الأطراف التي تدعم الفكر السلفي، من كسره، عبر إيجاد مأوى للإرهاب في مصر. مما أوجد ضرورة للتكاتف بين الطرفين العراقي والمصري في هذه الظروف الإستثنائية التي تمر بها المنطقة، ومن خلال مد أواصر التعاون بين العراق ومصر، حيث أن العراق بات يتمتع بإمكانيات كبيرة لناحية المعلومات الأمنية والعسكرية فيما يخص محاربة الإرهاب، بعد أن أذهل العالم ببطولاته وانتصاراته ضد تنظيم داعش الإرهابي.
ثالثاً: لا يجب إغفال الجانب الإسلامي للزيارة وأهميته الإستراتيجية. حيث أن الأزهر هو المرجعية الدينية الأكبر لدى المسلمين السنّة في العالم. الأمر الذي دفع مرجعية الأزهر ونتيجة للتحديات الراهنة لأخذ موقف صارم وصريح من الإرهاب لا سيما الذي يهدد مصر منعاً للعب بالورقة الطائفية، وهو ما شكًّل تناغماً مع المرجعية الدينية في العراق، والتي كان لموقفها في محاربة الإرهاب وحكمتها في التعاطي مع الملفات الحساسة مذهبياً ودينياً وسياسياً، السبب الأساسي في نجاح العراق وتوحُّد أبنائه من كافة الأطياف في الحرب على الإرهاب.
رابعاً: كان للزيارة في جانبها السياسي، دلالات مهمة. فهي بحد ذاتها تعبير عن التأييد من قبل العراق، للجهود المصرية السياسية في المنطقة، وللدور المصري القادر على توحيد الجهود الإقليمية، بالإضافة الى إيمان العراق بأهمية العمل المشترك وتبادل الخبرات. وهو ما لا يجب فصله عن النتائج التي حققها العراق، وابتعاده عن سياسات أمريكا وحلفائها في المنطقة. كما أن التناغم في قراءة الملفات الإقليمية بين الطرفين كان واضحاً ومنذ فترة طويلة خصوصاً تجاه الأزمة السورية. مما يعني وجود تقارب مبدأي.
خامساً: كان للزيارة أهمية اقتصادية حيث أكد الوفد العراقي اهتمامه بالتحديات الإقتصادية التي يمر بها الشعب المصري. وهو ما أكدته الملفات الإقتصادية التي يحملها الوفد العراقي لدعم الحكومة المصرية عبر زيادة الواردات من السلع المصرية، ودعوة الشركات المصرية الكبيرة للإستثمار في العراق، بالإضافة الى تفعيل الإتفاقيات التجارية بين البلدين لا سيما التعاون النفطي.
إذن، تتكاتف المرجعيات الدينية الأبرز في العالم العربي والإسلامي، وتتعاون من أجل نبذ الإرهاب ومنع التطرف. وهو كان الخطوة الأولى التي بدأها العراق ومصر، من منطلق الوعي القومي والعروبي. فالدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الأطراف كبير والزمن الذي كانت فيه بعض الأيادي العربية تحاصر أدوار دول المنطقة إنتهى. في حين كانت أهمية الوعي الديني في مواجهة مخاطر الفكر السلفي التكفيري، أحد أبرز نتائج هذا التعاون. فهل سيكون التناغم بين الأزهر والنجف الخطوة الأولى في تفعيل الدور المصري العراقي المشترك إقليمياً؟