الوقت- هناك حقيقة في عالم هذا أنه رغم علمنا بأن كل شيء يحدث من حولنا لسبب ما أو نتيجة لشيء آخر، تبقى الأحداث من حولنا أكثر تعقيداً وغير متوقعة، ومع ذلك نسعى دائما لتوقع ما سيحصل في سبيل التفاعل والتعامل مع الأحداث والمستجدات بشكل أفضل وبطريقة تصب في مصلحتنا.
إلا أن حاجتنا الدائمة للمعرفة ورغبتنا بالسيطرة الدائمة على حياتناأمران يشكلان سيف ذو حدين بالنسبة لنا إذ أن الأمر يدفعنا جاهدين إلى التنبؤ بهدف إدارة العالم والأحداث من حولنا، إلا اننا نعلم أيضا أن النجاح في ذلك محدود جداً. فكيف نتعامل مع الأمر وكيف نفسر الاحداث؟
باختصار، نكذب على أنفسنا نعم نكذب ونبرر فشلنا وعدم كفاءتنا أو كفاءة الآخرين بـ: "سوء الحظ" أو "الحظ الجيد" حسب النتائج، فما هو الحظ؟ وهل هو شيء واقعي؟ وكيف فسره الإنسان؟
ما هو الحظ؟
لتوصيف الأمر بشكل مبسط اعتبروا المسألة مجرد لعبة، عندما يشعر المقامرون فيها بأنهم "محظوظون"، يعتقدون بأنه بإمكانهم هزيمة الفرص العشوائية، ويبرزون قدرتهم على السيطرة بطريقة أو بأخرى في إيمان منهم بأن التغلب على الإحتمالات الطبيعية أصبح ممكناً.
أما على صعد أخرى فيختلف تعريف الحظ بين المفهوم الفلسفي، والديني، والصوفي، وطبعاً العاطفي من حيث التفسير. ومن ناحية تعريفية محضة ووفقا لقاموس نوح وبستر الكلاسيكي، فإن الحظ هو "قوة لا يمكن التنبؤ بها، ولا يمكن السيطرة عليها، تغيير الأحداث إيجاباً أو سلباً لفرد أو مجموعة أو قضية ما"، وترتبط وجهات النظر في هذه المسألة بإختلاف الثقافات فالبعض يعتبرها فرصاً عشوائية غير مرتبطة بسبب أو أداة، بينما البعض يربطها بطاقة خفية مرتبطة بالإنسان والأفكار، وطبعاً هناك من يجد لها تفسيرات متعلقة بالإيمان أو الخرافات.
ومن الأمثلة المعروفة عن هذا الموضوع هو اعتقاد الرومان ان إلههم المسمى بـ "فورتونا" هي إلهة الحظ وربطوا هذا الموضوع بمعتقداهم الدينية، بينما الفلاسفة وأشهرهم "دينيت" الذي اعتبر أن: (الحظ هو مجرد حظّ!، وليس شيئاً أو خاصية أو ميزة يختص بها فرد أو جماعة ما)، فيما وصفه "كارل يونغ" بالتزامن الذي يحدث في الوقت المناسب أو غير المناسب واختصر توصيفه بجملة صغيرة: "الحظ صدفة ذات معنى"، أما الكاتب ماكس غونتر فوصف الحظ بأنه "أحداث تؤثر على حياة المرء ويبدو أنها خارجة عن سيطرته"، إذن الحظ ليس سوى تفسير نعطيه للأشياء الجيدة والسيئة التي تحدث بالصدفة، وهي إسناد نستخدمه لإعطاء معنى للأحداث العشوائية.
علمات ورموز الحظ
اتخذ الحظ أشكالاً ورموزاً مختلفة باختلاف الثقافات والمجتمعات والاديان ومستوى التعليم والمستوى المعيشي فيها.
فحديثاً بدأ الناس ومن يعتبرون أنفسهم مختصون في أمور كعلامات الوجه والسمات وقراءة الشخصيات بوضع علامات للحظ الحسن، فمثلاً أمور كـ: الجبين المدور والبارز أو ما يسمونه بجبل الازدهار، والحواجب السميكة والكثيفة، والعيون اللامعة، والأنف الكبير والمدور، والخدود الممتلئة والعالية، والشفاه المتنزة والأذان الطويلة مع شحمات سميكة كلها علامات على انك صاحب حظ جيد!
أما آخرون يسمون انفسهم بالمنطقيين فقد ربطوا مسألة الحظ والرموز والدلائل عليها بأمور حياتية أكثر واقعية فمثلاً أن تكون متعلماً، وان تولد في دولة متقدمة ومتطورة، وأن تمتلك قوت يومك أو أن تولد في عائلة مقتدرة وأشياء أخرى هي علامات الحظ السعيد ومستقبل بحظ سعيد وعكس ذلك يعني الحظ السيء ومستقبل بحظ سيء، وهذا المنطق في تفسير الحظ الجيد مبني على التحليل والتوقع واستنباط الأحداث من المعطيات المتوفرة.
أما أصحاب الخرافة ومن يؤولون الأحداث بطرق غريبة واذا صح القول خرافية، فلديهم اعتبارات خاصة في مسألة الحظ فمثلاً :
وضع حدوة الحصان أو لبس السلاسل والقلادات في الأعناق، وقص الشارب عن طريق الخطأ علامات للحظ الجيد، وعندما ينسكب العصير أو الشراب فإن هناك شيء جميل على وشك الحصول، وشيء سيئ على وشك الاختفاء، كما أن ضحكة الطفل الصغير بدون سبب أو رؤية الكفن في الطريق أمور تدل على الفال أو الحظ الحسن، وفي حال انكسرت آنية فخارية فيجب عليك أن تكسر ثلاث أوان فخارية غيرها كي يتحول حظك إلى الأحسن..
بينما أمور كوقوع السبحة وتناثر حباتها، أو وقوع دبوس الشعر أوسقوط فتات الخبز عن طريق الخطأ وشق الثياب أمور تجلب الحظ السيء، فيما اذا تعرضت امرأة الي كسر بأحد أطرافها فإن هناك مشكلة على وشك الوقوع وهذا يجلب الحظ السيء، فضلاً عن أن انكسار الشمعدان أو انكسار الآنية الزجاجية فأل سيء كذلك...
وطبعاً لا بد أن نذكر أن فئة كبيرة من الناس لا تؤمن بالحظ بل تعتبر أن مصير أو ما يسمى حظ الانسان مرتبط بيده وبالجهد والطاقة التي يبذلها في سبيل تحسين ظروفه، فيما يعتبر البعض أن الحظ الحسن هو تفسير الناس للتوفيق الإلهي الذي يعطيه الله لحسن السلوك والأخلاق والمجد في حياته.