الوقت- "هل العلاقات الروسيّة الإيرانية استراتيجية حقّاً؟ سؤال يطرح نفسه بقوّة حالياً في ظل تصويب أعداء كلا الطرفين على العلاقات القائمة بين البلدين، محاولين وضعها في إطار تقاطع المصالح، والتعاون التكتيكي الظرفي الذي لا يرتقي إلى المستوى الاستراتيجي.
تغصُّ الساحة السياسية الإقليميّة بروايات مختلفة لتحليل واقع العلاقة بين طهران وموسكو، ففي حين تشير العلاقات التاريخية إلى علاقات فاترة بين البلدين منذ المعارك التي درات في عهد القاجاريين (1813 و1828)، تؤكد مرحلة ما بعد انتصار الثورة الإسلاميّة دفء العلاقة بين البلدين والتي بدأت بمستوى تكتيكي لتصل لاحقاً إلى مستوى استراتيجي ظهر على لسان المسؤولين في كلا البلدين.
تصريحات استراتيجيّة
آخر هذه التصريحات صدرت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا والتي أكّدت أمس الخميس أن العلاقات بين طهران وموسكو تمر حاليا بأفضل مراحلها، وهي علاقات شاملة ومتينة ومتجذّرة لأكثر من 515 عام.
وفي وقت سابق، أعلن الرئيس بوتين أن "إيران شريكة استراتيجية لروسيا في مختلف المجالات"، مؤكداً أن موسكو " تولي أهمية استراتيجية كبيرة لعلاقاتها مع إيران في القضايا الأمنية الإقليمية"، ليكرّر هذه العبارة رئيس مجلس الدوما الروسي سيرغي ناريشكين الذي قال "إن إيران شريك موثوق به في العلاقات الدولية ولذلك فان موسكو تولي أهمية استراتيجية كبيرة لعلاقاتها مع إيران في القضايا الأمنية الإقليمية ".
لو وضعنا كل هذه التصريحات الروسيّة جانباً، يكفي ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الزيارة الأخيرة التي أجراها إلى إيران أواخر تشرين الثاني 2015، والتي رسّخت المفهوم الاستراتيجي للعلاقة أكثر من أي وقت مضى. بويتن قالها بصراحة: "كنّا نعتبر علاقتنا تكتيكية، ونعرف أن في إيران من يعتبر أننا يمكن أن نبيعكم للغرب. إن روسيا لن تتخلى عن حليفتها الاستراتيجية إيران".
في المقابل، كثيرة هي التصريحات الإيرانية التي تلاقي التصريحات الروسيّة في منتصف الطريق وتؤكد استراتيجية العلاقة مع موسكو، فقد قال الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الأدميرال علي شمخاني "قد اتسمت علاقتنا مع روسيا بطبيعة استراتيجية". كذلك، وفي حين قال الرئيس الإيراني حسن روحاني, أن علاقة بلاده مع روسيا متميزة وتقوم على التناغم والتنسيق بين البلدين، أشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في وقت سابق، إلى علاقات إيران الاستراتيجية مع روسيا والمواقف الإيرانية الروسية المشتركة على الصعيد الدولي.
أسباب استراتيجية
قد يتساءل البعض عن الوتيرة المتصاعدة للعلاقة بين البلدين، لاسيّما في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي. ومن خلال مطالعة سريعة للتكامل الاستراتيجي يتّضح أنه في حين تحتاج ايران ومحورها الإقليمي للدور الروسي على الصعيد الدولي وفي مجلس الأمن، وجدت موسكو في طهران بوابةً إقليمية واسعة في منطقة غرب آسيا. هناك مساعي روسيّة للدخول إلى منطقة غرب آسيا بقوّة عبر إيران، وإلى أفريقيا عبر البوابة المصريّة، وأي صدام مع هاتين الدولتين يعني غياب الدول الروسي الفاعل.
بعيداً عن التصريحات التي قد يضعها البعض في السياق الإعلامي، هناك جملة من الإشارات الميدانية والسياسيّة تؤكد استراتيجيّة العلاقة بين البلدين، نذكر منها:
أولاً: يكشف التعاون السياسي والعسكري عمق العلاقة بين طهران وموسكو، فقد وقفت موسكو إلى جانب طهران في الاتفاق النووي كما أعلنت رفضها للعقوبات الأمريكية على الأخيرة، مبرمةً العديد من الصفقات العسكرية الضمة بعد الاتفاق النووي، بما فيها تسليم صواريخ "إس 3000" الاستراتيجية التي لطالما شكّلت هاجساً لأمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط.
ثانياً: لا يقتصر التعاون العسكري على صفقات الصواريخ والبعثات العسكرية، بل هناك تعاون عسكري اتفق عليه قائد الثورة الإسلامية السيد على الخامنئي مع الرئيس بوتين خلال زيارة الأخير إلى طهران حيث أكّد الجانبان على ضرورة توطيد العلاقات العسكرية والأمنية. هناك حديث عن صفقات مقاتلات وبابات القتال الرئيسية الحديثة الروسية من طراز "تي-900 أس"، إضافةً إلى التعاون في مجال الفضاء.
ثالثاً: لم يجف بعد حبر التحليلات التي تطرّقت إلى لقاء الجنرال بالقيصر، في إشارة إلى زيارة قائد فليق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني إلى موسكو ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، ما أنتج تدخّلاً عسكرياً روسياً مباشراً في الأزمة السوريّة.
رابعاً: لعل الأزمة السوريّة أبرز مصداق حالي على استراتيجية العلاقة بين الدولتين، فإضافة إلى التنسيق الميداني المشترك ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا، وكذلك التنسيق السياسي الذي أنتج مؤتمر استانا، استخدمت روسيا مطار همدان الإيراني لتوجيه ضربات مكثفة إلى مواقع التنظيمات الإرهابية عبر قاذفات استراتيجية بعيدة المدى (طائرات قاذفة بعيدة المدى من طراز "تو-22 إم3"، وقاذفات من طراز "سو - 34").
خامساً: يخطئ من يعتقد أن العلاقات بين طهران موسكو تقتصر على الأزمة السوريّة، ففضلاً عن الحدود المشتركة في بحر قزوين، هناك تعاون وتشاور بين إيران وروسيا في شتى القضايا بما في ذلك قضايا الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ومكافحة الإرهاب"، وفق ما قالت زخاروف في تصريحها الأخيرة.
ورغم كافّة التصريحات التي صدرت عن البلدين، إضافةً إلى القرائن والعلاقات السياسية والعسكريّة والاقتصاديّة والجغرافيّة بين البلدين، لا يزال العديد من أعداء كلا الطرفين يروّجون لعدم متانة العلاقة بين ايران وموسكو، مستدلين على ذلك بماذا؟ بصراعات تاريخية يعود أقربها لأبعد من نصف قرن، وبعضها إلى ما قبل القرون الوسطى!