الوقت- تساؤلات عدّة تطرح نفسها اليوم بعد مرور شهر ونيّف على وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ورغم أنّه من المبكر الحكم على مشروع الرئيس الأمريكي الجديد وتطابقه مع الوعود التي أطلقها في حملته الانتخابيّة، إلا أن طفرة التعارضات بين ترامب المرشّح وترامب الرئيس دفعتنا لطرح هذا السؤال مبكراً جدّاً.
التساؤل المطروح يطرح في طيّاته جملة من التساؤلات التي لطالما كانت محطّ بحث وجدل، فهل ترامب كبقية المرشحين الذين يطلقون وعوداً أكبر من طاقتهم أو غير مقتنعين بها بغية حصد المزيد من الأصوات؟ أم أن الفارق الذي يحصل بين المرشّح والرئيس يعود إلى هيكليّة النظام الأمريكي التي تجعل من الرئيس سيّداً صورياً للبيت الأبيض؟
لسنا من مؤيدي قدرة الرئيس المطلقة في أمريكا، وكذلك لسنا من مؤيدي وجود نظام خفي يقود الحكم، بل نعتقد بدور الطرفين في قيادة القرار الأمريكي وتأثير كل طرف على الآخر، مع الأخذ بعين الاعتبار سيطرة النظام بشكل أكبر على القرار الأمريكي في المرحلتين الأولى والأخيرة للحقبة الرئاسيّة، في حين تعلو يد الرئيس في القرار الأمريكي بين هاتين المرحلتين. بطبيعة الحال، يسري هذا الأمر فقط على الدورة الرئاسيّة الأولى.
عوداً على بدء، ورغم مضي الرئيس الأمريكي بالعديد من الوعود التي أطلقها كبناء الجدار مع المكسيك، ترحيل المسلمين من أمريكا، العمل على تفكيك الاتحاد الأوروبي خاصّة بعد ترشيح السفير تيد مالوك، لتسلم منصب سفير واشنطن لدي بروكسل، الأمر الذي أثار غضب الأوروبيين كثيرًا، لاسيما أن مالوك توقع صراحة بتفكك الاتحاد الأوروبي وخروج دول أخري منه، واصفًا التجربة الأوروبية بالفاشلة، إلا أن هناك جملة من الوعود الرئيسيّة قد غابت تماماً عن الساحة، وقد حضرت مكانها وعود مختلفة تماماً.
على سبيل المثال لا الحصر، ترامب الذي قدّم نفسه كمنقذ اقتصادي لأمريكا، غابت تصريحاته الاقتصادية التي كانت سبباً رئيسيّاً في تقدّمه على منافسته الديمقراطيّة هيلاري كلينتون. ليس ذلك فحسب، بل قال ترامب إنه يرغب في جعل بلاده "الأكثر تفوقا" من حيث امتلاك القوة النووية في العالم، وهو التصريح الأول من نوعه لترامب بخصوص السلاح النووي الأمريكي، منذ توليه منصبه في البيت الأبيض، مما يؤدي إلى توتّر العلاقات مع روسيا التي تحدّث كثيراً عن التقارب معها خلال حملته الانتخابيّة.
ورغم أن العديد من أركان النظام الأمريكي قد حذروا ترامب من التقارب مع روسيا، من ضمنهم أحد قصور الحزب الجمهوري السيناتو جون ماكين الذي تعّهد بمنع أي تقارب يريده ترامب مع الجانب الروسي، فضلاً عن الوكالات الأمنية التي أطاحت بمستشار الأمن القومي مايكل فلين بعد الكشف عن اتصالات أجراها مع مسؤولين روس قبل تنصيب الرئيس دونالد ترمب.
كذلك، وإضافةً إلى الملف الروسي عمل ترامب على توتير العلاقات مع الصين منذ يومه الأوّل في البيت الأبيض، وهذا ما فعله مع إيران أيضاً، مقابل التقارب مع السعوديّة التي لطالما هاجمها إبان حملته الانتخابيّة، فهل تقف أجهزة النظام خلف هذا التراجع أم أنّ كلام ترامب السابق فقّاعات انتخابيّة تبخّرت سريعاً؟
لا تقتصر عقبات ترامب، هذا لو سلّمنا جدلاً بنيته تنفيذ مشروعه الانتخابي، على أجهزة النظام، بل تلعب الامبراطوريّة الإعلاميّة الأمريكية دوراً بارزاً في القرار الأمريكي عبر ابتزاز الرئيس أو أركان نظامه وهذا ما دفع ترامب مؤخراً لشن هجوم كاسح على الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية، التي وصفها بعدوة الشعب الأمريكي نظرًا للكذب والخداع التي تتسم به، وفق تعبيره، مشيرًا إلى أن هناك وسائل إعلام تنقل استطلاعات رأي كاذبة للشعب الأمريكي، كما أنها تخلق للناس قصص زائفة وكاذبة.
لا ندري إذا كان قصد الرئيس الأمريكي بأمريكا أولاً وإعادة أمريكا قويّة هو ما تحدّث عنه مؤخراً عن الترسانة النوويّة، فاذا كانت هذه طريقته لبناء أمريكا، ومحاربة الإرهاب فهذا يعني أنّنا أمام حرب عالمية!
ربّما يكون من المبكر تقديم الإجابة الشافيّة عن فوارق ترامب الرئيس والمرشّح وكذلك دور الحزب الخفي، أو نظام الظل كما يسمّيه البعض، إلا أنّ الاضطراب القائم في المرحلة التي تصحّ تسميتها بالانتقالية لترامب، عزّزت من سطوة قرار الحزب الجمهوري على البيت الأبيض. ربّما نحتاج المزيد من الوقت لتقييم أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أننّي أعتقد، ورغم الغموض الحالي وعفويته المخادعة أو الكاذبة لو صحّ التعبير، أن يعمد ترامب شيئاً فشيئاً إلى السير في جزء كبير من مشروعه الانتخابي الذي لا يروق لأطراف أمريكيّة كثيرة في مقدمتها وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالية، فهل سيكون أمام فضيحة تهزّ الشارع الأمريكي؟ وهل سيكون عرضة للمساءلة والمحاسبة كما حصل مع الرئيس الأسبق بيل كلينتون في قضيّة، تتشابه أو تختلف، مع قضيّة مونيكا لوينسكي الشهيرة، خاصّة أن الديمقراطيين باتوا يشكّكون بالصحّة العقلية للرئيس ترامب.