الوقت- كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن مرحلة ما بعد داعش في العراق. ومع انطلاق معركة غرب الموصل، طفت على السطح جُملة من المُتغيّرات السياسية والعسكريّة، والتي تؤسس بدورها لمرحلة جديدة من تاريخ العراق.
المتغيّرات الجديدة تنوّعت ما بين الداخلي والخارجي، السياسي والعسكري، ففي حين نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية أمس الإثنين، تقريراً بعنوان "القوات الجوية الخاصة رأس حربة تحرير الموصل"، نفت الحكومة العراقية مشاركة تلك القوات في معارك تحرير الجانب الغربي لمدينة الموصل، مؤكدة أن القوات التي تقاتل على الأرض هي قوات عراقية فقط.
كذلك، وبالتزامن مع انطلاق العملية وصل وزير الدفاع الأمريكي الجديد جيمس ماتيس إلى العراق، في زيارة وجد فيها البعض سعي أمريكي لترتيب أوضاع قواته في مرحلة ما بعد داعش، وهو ما صرّح به ماتيس علناً مخاطباً العبادي بالقول "إنّ مجيئنا من أجل دعم العراق وتأكيدنا استمرار العلاقة والدعم بعد داعش".
وأما على الصعيد الداخلي، فقد طرح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مشروع مبادرة من 29 نقطة لمرحلة ما بعد استعادة الموصل تتضمن حلولا أولية، داعياً إلى "تعزيز الجيش وإغلاق مكاتب الفصائل المسلحة، وخروج كل القوات المحتلة بل والصديقة، إن جاز التعبير، من الأراضي العراقية للحفاظ على هيبة الدولة وسيادتها ، وإشراف دولي على العملية السياسية في المناطق المستعادة، وتلك المتنازع عليها مع كردستان وفتح حوار مع الإقليم".
إن التطوّرات العسكريّة والسياسيّة في المشهد العراقي في هذه الظروف الحساسة التي تعيشها البلاد، تشي بتحرّك عراقي داخلي لطرد القوّات الأمريكية، إلا أن الأخيرة ترفضه، وبالتالي لا بدّ من الإشارة إلى الآتي:
أوّلاً: إن أحد أبرز أسباب الزيارة الأمريكية تتعلّق بدور واشنطن في العراق خلال مرحلة ما بعد تنظيم داعش الإرهابي الذي يعيش اليوم أوضاع صعبة. لم يكن حديث وزير الدفاع الأمريكي مع رئيس الوزراء العراقي حول استمرار العلاقة والدعم بعد داعش أمراً عابراً، بل إن قائد قوات التحالف الدولي الجنرال ستيفن تاونسند قد دعا خلال مؤتمر صحافي في اختتام زيارة ماتيس بغداد إلى بقاء هذه القوات في العراق حتى بعد استعادة السيطرة على الموصل. وأضاف: "لا أتوقع أن تطلب منا الحكومة العراقية المغادرة فوراً بعد التحرير".
ثانياً: المطالبة الأمريكية ليست بالأمر الجديد ولا تتعلّق بالإدارة الأمريكية الجديدة، بل بالبنتاغون الأمريكي الذي يلعب دوراً شبه مستقلّ، فقد ألمح وزير الدفاع الأمريكي السابق، آشتون كارتر، في تصريح له العام الماضي إلى إمكانية استمرار التواجد الأمريكي العسكري في العراق، وقال "إن الجيش الأميركي وشركائه الدوليين يحتاجون للبقاء في العراق حتى بعد الهزيمة المرتقبة لتنظيم الدولة الإسلامية في الموصل". الاحتلال الأمريكي الذي خرج من بوابة الاحتلال عام 2011، عمد إلى الدخول مجدّداً إلى العراق عبر بوابة مكافحة الإرهاب، وفي حال استمر الرفض العراقي يتحدّث مراقبون عن إثارة مشروع قرار تقسيم العراق في مجلس الشيوخ الأمريكي الذي أقرّ بتاريخ 26/9/2007، وهو مشروع قرار غير ملزم لتقسيم العراق إلى 3 أقاليم فيدرالية، ربّما يصبح ملزماً!
ثالثاً: هناك سعي أمريكي حثيث في المرحلة الراهنة لأن يكونوا شركاء في النصر، لاسيّما بعد أن لمسوا هزيمة المشروع التكفيري. في الواقع، إن زيارة ماتيس إلى العراق في هذا التوقيت، ومحاولته استرضاء الجانب العراقي قبيل الزيارة من خلال تأكيده أن "الولايات المتحدة الأمريكية ليست موجودة في العراق للاستيلاء على نفط أحد"، وكذلك الحديث عن إرسال قوّات أمريكية إلى سوريا يصبّ في هذا الإطار. يبدو أن أمريكا قد بدأت بالتمهيد لذلك عبر الحديث عن مشاركة مباشرة قامت بغداد بنفيها، أي أن تضارب الأنباء حول مشاركة قوات أمريكية وبريطانية بقيادة الهجوم التي تنفذه القوات العراقية لتحرير الجانب الغربي من مدينة الموصل يهدف لإبرازهم كشركاء في النصر على التنظيمات التكفيرية.
ما بعد داعش
لاقت مبادرة الصدر ترحيباً من مختلف القوى السياسية، لاسيّما فيما يخص طرد القوّات الأمريكية من البلاد، خاصّة أنّها تقف خلف معاناة الشعب العراقي منذ العام 2003، ولعل هذه النقطة الأبرز التي تعتبر محطّ إجماع عراقي. رغم وجود اختلافات سياسية بين القوى العراقيّة كافّة، وحتى اعتراض البعض على جملة من نقاط مبادرة الصدر، إلا أن طرد الاحتلال الأمريكي اليوم يعدّ نقطة التقاء لكافّة القوى العراقيّة.
نأمل أن تكون مرحلة ما بعد داعش في العراق، مرحلة الاستقلال السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي، وفيما لو تحقّقت الأهداف العراقيّة، يكفي طرد أمريكا، ستنفض بغداد غبار سنين الإحتلالين الأمريكي والداعشي، إلا أن المهمّة ليست بالسهلة. فمن أوجد داعش، لن يتوانى عن إيجاد حركات مماثلة في حال فشل في مشروعه.
ندعوا القوّى العراقيّة التي تختلف مع بعضها في الرؤى السياسيّة، وهذا أمر طبيعي، إلى التكاتف والتعاضد لطرد القوّات الأمريكية، لأن بقائها يعني سلب العراق للانتصار على الإرهاب، وعودة الاحتلال الأمريكي بوجه جديد، لا بل هو خيانةّ لكافّة الشهداء الذين سقطوا في المواجهة مع أمريكا و داعش بين العامين 2003 و2017.