الوقت - قام وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، والملقب بـ "الكلب المسعور" بزيارة قصيرة لبغداد في العشرين من شباط الجاري، ليكون هذا اللقاء أول لقاء رسمي رفيع المستوى يجمع مسؤول من حكومة ترامب مع المسؤولين العراقيين.
وجاءت زيارة ماتيس لبغداد واجتماعه مع المسؤولين العراقيين بعد يومين فقط من انطلاق عمليات تحرير الجانب الأيمن من الموصل من سيطرة تنظيم داعش الذي يخوض العراق حربا ضروسا ضده منذ أواخر عام 2013.
من جانب أخر جاءت هذه الزيارة بعد يوم واحد من لقاء ماتيس مع كل من رئيس اقليم كردستان العراق ورئيس الوزرء العراقي على هامش مؤتمر ميونخ للأمن. ويعني هذا أن للعراق أهمية كبيرة في السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية الجديدة، وهي ترغب بلعب دور كبير في العراق ما بعد داعش. ومن هذا المنطلق يمكن تحليل زيارة ماتيس للعراق من عدة محاور هي:
1- نقل رسالة بأهمية العراق لأمريكا
يمكن قراءة زيارة جميس ماتيس لبغداد ولقائه بالعبادي على أنها رسالة سياسية مهمة للعراق، وتلويح امريكي بأن تطورات الساحة العراقية ومستقبل الحرب على داعش يحظى بأهمية بالغة لواشنطن. وخلال الأشهر الماضية زعم ترامب وعدد من القادة العملاء لأمريكا أن ايران تحاول السيطرة على الحكومة العراقية واحتلال العراق؛ لذلك يمكن اعتبار أن زيارة ماتيس للعراق هي نوع من التحذير للحكومة العراقية وتأكيد على أن العراق مهم لأمريكا وهي تريد لعب دور أكبر في الساحة العراقية. وفي هذا المجال كانت تصريحات العبادي ملفتة للنظر، إذ يبدو أنه قد قرأ الأفكار الأمريكية، فبادر بالتأكيد على أهمية الدعم الدولي للعراق في الحرب على داعش، لافتا الى عدم وجود أي مقاتل أجنبي على أرض العراق، سوى المستشارين العسكريين، وإن العراق يعتمد على قدراته للانتصار على داعش (..) ومن الضروري استمرار تقديم الدعم للعراق.
إن هذه التصريحات تدل على أن العبادي أراد أن يبلغ ماتيس مسبقا بعدم وجود أي قوات عسكرية إيرانية في العراق وإن ايران تقدم الاستشارات العسكرية فحسب، على العكس من التصورات الأمريكية والدعاية المعادية لإيران في المنطقة. بصورة عامة يجب قراءة زيارة ماتيس للعراق من منطلق قلق ترامب والادارة الامريكية من الدور الإيراني الفاعل في العراق ما بعد داعش.
2- المساعي الأمريكية للمحافظة على تواجدها العسكري في العراق وتعزيزه
ان الهدف الآخر لزيارة ماتيس للعراق هو السعي للحصول على ضمانات من المسؤولين العراقيين لاستمرار التواجد العسكري الأمريكي في العراق وتعزيزه. حيث أكد وزير الدفاع الأمريكي في كلامه على استمرار التعاون الأمريكي مع الجيش العراقي في معركة استعادة الموصل من سيطرة داعش، وقال: «ان واشنطن تقدم الدعم الكامل للعراق في مجال الحرب على الارهاب، والمجالات الأخرى. لقد جئنا هنا لنعلن دعمنا للعراق والتأكيد على استمرار العلاقات مع العراق وتقديم الدعم له في عهد ما بعد داعش".
ويعد هذا الكلام تأكيدا على تصريحات ترامب عبر موقع تويتر للتواصل الاجتماعي والتي لام فيها حكومة اوباما لانسحابها من العراق بعد انفاق مبالغ طائلة هناك. وتشير التوقعات الى أن أمريكا تهدف لنشر قواتها في قاعدة القيارة العكسرية - جنوب محافظة نينوى- في مرحلة ما بعد داعش، وأن تستولي على حصة من ميزانية الحكومة العراقية المركزية بحجة الدفاع عن أمن العراق.
بصورة عامة يمكن اعتبار زيارة ماتيس للعراق على انها تأكيد للقلق الأمريكي حيال مستقبل بقاء القوات الأمريكية في العراق وامكانية زيادة عددها في مرحلة ما بعد داعش.
3- التعتيم على اداعاءات ترامب حول النفط العراقي
في جانب من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي في بغداد أكد بصراحة على أن أمريكا لا تهدف الى السيطرة على النفط العراقي من خلال تواجدها في العراق وإنها لا تريد مصادرة النفط العراقي. ويعد هذا التصريح تعتيما على تغريدات ترامب المثيرة للجدل في الشأن العراقي. وكان ترامب قد صرح مؤخرا في تغريدة عبر موقع تويتر قائلا أن الأمريكان كان يجب أن يسيطروا على نفط العراق قبل مغادرتهم البلاد في عام 2011، وأن يؤمنوا كلفة استمرار نشر القوات الأمريكية في المنطقة والحرب على المتطرفين في غرب آسيا. وبعد هذه التصريحات التي لا تصدر سوى عن مبتدئ، سادت في العراق مخاوف من أن الحكومة الأمريكية الجديدة تنوي السيطرة على الثروة النفطية العراقية عبر نشر قواتها في البلاد أو أنها على أقل تقدير تنظر الى الثروة العراقية بعين الطمع. وفي ظل هذه الظروف حاول ماتيس التغطية على أخطاء ترامب، وتأكيد "حسن النوايا الأمريكية" تجاه العراق خلال اجتماعاته مع المسؤولين العراقيين.