الوقت- رغم وجود المؤيد والمعارض، لا يختلف اثنان على الدور الاستراتيجي لقوات الحشد الشعبي في المشهد العراقي. فبعد أن كان الحديث في مرحلة ما قبل الحشد يتعلّق بحماية بغداد من هجمات داعش، تحوّل اليوم إلى التدخّل في سوريا لمواجهة التنظيمات الإرهابية.
الإنجازات التي حقّقها الحشد خلال الفترة الماضية تؤكد، الدور الفاعل في الموصل، ما قبلها وما بعدها، ما أجبر الطرف الأمريكي على إعادة حساباته في المشهد العراقي، ومطالبته أكثر من مرّة، آخرها الاتصال الهاتفي الذي تلقّاه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإبقاء دور الحشد الشعبي على الداخل العراقي. وقد أوضح العبادي في تصريح له بعد الحديث الهاتفي مع ترامب إن بلاده "لا تريد أن تكون طرفا في أي صراع إقليمي أو دولي"، الأمر الذي تلقّفه الكثيرون بإنهاء أي دور إقليمي للحشد.
الخشية الأمريكية وبعض الدول التي تسبح في فلكها من دور الحشد الشعبي الإقليمي ليس بالأمر الجديد، إلا أن الكلام الأمريكي الواضح جاء بعد إعلان الأمين العام لمنظمة بدر في العراق، هادي العامري، في منتصف شهر نوفمبر العام 2016، أن الرئيس السوري بشار الأسد، طلب من قيادة الحشد الشعبي دخول سوريا من أجل مواجهة الجماعات الإرهابية في العراق، إلا أن المتحدث باسم الحشد الشعبي، أحمد الأسدي، قد أوضح قبل أيّام أن "مسألة عبورنا إلى الأراضي السورية متوقف على قرار البرلمان العراقي ولن نعبر الحدود بدون قرار".
إن كلام الحشد ينسف كافّة الادعاءات السابقة بعدم التزامه بالقرار العراقي، ويؤكد أن "الحشد الشعبي يلتزم بكل قرار صادر عن حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة العراقية"، وفق ما أوضح الأسدي. في الواقع، بعد أن أصبحت قوات الحشد الشعبي جزءاً من القوات المسلّحة العراقيّة، لا بد لها من الالتزام كبقيّة القوات الأمنية العراقية بالقرار الرسمي للبلاد الذي يصدر عن الجهات المخوّلة، سواءً البرلمان أم رئاسة الوزراء.
دور الحشد الشعبي
ربّما يجد البعض في تصريحات الحشد الشعبي مناورات سياسيّة، خاصّة أولئك الذين يتهمونه بأنه فصيل إيراني، إلا أن كلام الأسدي يؤكد أن الحشد يلتزم بمهامه بعد أن قرر البرلمان العراقي اعتبار الحشد الشعبي جزءاً من الجيش العراقي وأحد الهيئات الرسمية التابعة له. قبل ذلك، لم يكن قراره محصوراً بالجانب العراقي الرسمي، ولذلك تحدّث عن دخول الأراضي السورية بشكل علني باعتبارها مصدر تهديد للعراق، إلا أنّ تعديل موقفه يتناسب مع مهامه التي كفلها الدستور العراقي. بعبارة أخرى في المرحلة الماضية كان القرار بيد هيئة الحشد الشعبي، أم اليوم فقد تحوّل جزء كبير من هذا القرار إلى الحكومة والبرلمان العراقيين.
ربّما يتساءل البعض: هل يدخل الحشد إلى سوريا في حال رفض رئيس الوزراء العراقي ذلك؟ الإجابة ظهرت على لسان المتحدث باسم الحشد الذي أوضح أن الأمر يتطلّب موافقة البرلمان، وهو أمر لا يتعارض مع مهام الحشد الرسميّة التي يعّينها الدستور العراقي. كما يتولّى الحشد اليوم، الذي يعد تجربة عراقيّة ناجحة، دعم القوات العراقية في عملية تحرير الجانب الأيمن من الموصل، وكذلك إمساك الحدود مع سوريا بعد تحرير مدينة تلعفر، لا نستبعد أن يقدم الحشد على قطع الحدود نحو سوريا، في حال حصل على موافقة البرلمان، سواءَ وافق العبادي حينها أم خالف ذلك. فلا يمكن أن يهزم داعش في العراق ويبقى قوياً في سوريا، لأن التجارب السابقة أثبتت ضرورة إبعاد التهديدات عن الحدود خشية عودتها عن أي غفلة أو مفترق طريق.
إذن، التدخّل في سوريا يستوجب جملة من النقاط كطلب الحكومة السورية، والتنسيق مع الحكومة العراقية، إلا أنّه في حال رفض الحكومة لذلك، قد يفوّض البرلمان هذه المهمّة لقوات الحشد الشعبي، لاسيّما في المناطق المحاذية للحدود العراقيّة.
سواء تدخّل الحشد في سوريا أم لم يفعل، يبدو واضحاً دوره الاستراتيجي في مستقبل العراق وحفظه لوحدة أراضي العراق وسيادة قراره وهذا ما يفسّر الخشية الأمريكية المبطّنة التي عبّر عنها الرئيس ترامب في كلامه الأخير مع العبادي. العراق الذي كان يحارب قبل فتوى المرجعية الدينية بتشكيل الحشد على أسوار بغداد بعد إحتلال ما يقارب نصف البلاد، يمارس اليوم خطوات تتعدّى حدود البلاد، وتتماهى مع خطوات دول فاعلة إقليمياً ودولياً في حماية الأمن القومي للبلاد خارج الحدود.
إن القوّة الجديدة التي فاقت الـ85 ألف مقاتل (بعض المصادر تتحدّث عن 140 ألف مقاتل) باتت رقما صعبا في المعادلة الأمنية بالمنطقة، يمكن تفعيلها كقوات عابرة للحدود في إطار تأمين الأمن القومي العراقي. اليوم، تقف قوات الحشد الشعبي على الحدود العراقيّة السورية ومن غير المستبعد أن تدخل إلى العمق السوري في حال توفّرت الشروط لذلك، كموافقة الحكومة السورية، وموافقة العراق، كما أسلفنا سابقاً. وهنا تكفي الإشارة إلى ما ذكرته مجلة "نيوز ويك" الامريكية الشهيرة قبل أشهر عندما وضعت الحشد الشعبي في المرتبة الرابعة عالميا باعتباره من اقوى القوى الضاربة في العالم بعد القوات الخاصة البحرية الامريكية نيفي سيل ومجموعة الفا الروسية وفرقة ايكو كوبرا النمساوية.