الوقت - خرجت فضيحة جديدة ما تزال ارتداداتها أولية، لتتحدث عن التعاون الإستخباراتي والتنسيق الأمني بين الكيان الإسرائيلي والدول الخليجية حيث تخطى هذا التعاون مسألة التنسيق الإعتيادي بين أجهزة المخابرات لدى الطرفين، ليصل الى مرحلة تأسيس واقعٍ عملي يعتمد على الخبرات المتبادلة. فيما شكَّلت المسألة حساسية لدى المتابعين كونها فضحت اعتماد الدول الخليجية لا سيما السعودية والإمارات على خبرات الكيان الإسرائيلي لتعزيز الأمن المحلي لأنظمتها وهو ما يعني استعانتها بعدو الأمة لتأمين استمراريتها. فماذا في تفاصيل الفضيحة التي أطلقها موقع "بلومبيرغ" البريطاني؟ وما هي دلالات ذلك؟
ضابط الموساد "شموئيل بار" وقصته بحسب موقع بلومبيرغ البريطاني
"شموئيل بار" العمیل في الإستخبارات الإسرائيلية على مدى 30 عاماً، ترك عمله ليؤسس شركة تُدعى "بلانتير" والتي تعمل في مجال التنصت والرصد. ووزع أعماله في كثير من بلدان أوروبا والشرق الأوسط حيث يتم استخدام خدمة التكنولوجيا التي يُقدمها في العمل الإستخباراتي.
قبل عامين من الآن وبحسب الموقع البريطاني، بدأ التعامل السعودي مع "بار" عبر رسالة وصلت إلى بريده الإلكتروني الخاص من أحد قيادات المستويات العليا في السعودية، دعاه فيها لمناقشة مشروع مُحتمل عبر سكايب. تطورت العلاقة لتأسيس فرع للشركة الإسرائيلية في الرياض تحت اسمٍ مُستعار لا يكشف حقيقة هويتها الإسرائيلية، ويهدف ذلك بحسب الموقع، لرصد ومتابعة الجهاديين السعوديين ومراقبة الأوضاع داخلياً. وبعد نجاح عمل الشركة توسعت مهامها لتشمل متابعة الرأي العام السعودي وانطباعاته حول الأسرة السعودية الحاكمة!
العلاقات الإسرائيلية الخليجية مُزدهرة أمنياً ومنذ زمن
وحول العلاقات الخليجية الإسرائيلية أوضح الموقع البريطاني أن التعاون في مجال التكنولوجيا والمعلومات الإستخبارية ازدهر بين تل أبيب وعدة دول عربية خلال السنوات الماضية، دون أن يظهر الى العلن. حيث أنه ولإتمام عدة مشاريع بين الطرفين جرت لقاءات بين مسؤولين من هذه الدول وبار في الدول الخليجية وعُقدت عدة مؤتمرات خارجية فيما كان للسعودية النصيب الأكبر من ذلك. حيث جمعت العاصمة البريطانية لندن مسؤولاً سعودياً وإسرائيليين حيث تناولا الغداء معاً في مطعم مغربي، وجرى البحث في القضايا المشتركة التي تتعلق بالسلام في الشرق الأوسط والمخاطر المشتركة على الطرفين كالتعاظم الإيراني والتراجع الأمريكي.
وذكر الموقع أنه بخلاف السعودية، تم إنشاء نظام "كوخافي" وهو نظام أمني متكامل باعته تل أبيب لعدد من الدول في العالم، بينها دول خليجية وينتشر بشكل واسع في إمارة أبوظبي. ويتضمن النظام الكثير من قواعد البنية التحتية الأمنية لدولة الإمارات باستخدام مهندسين إسرائيليين يمتلكون شركات في السعودية والإمارات بالإضافة الى شركات إسرائيلية أخرى تعمل في منطقة الخليج الفارسي تحت أسماء وهمية في مجالات عدة منها تحلية مياه البحر، وحماية البنية التحتية، وتفعيل الأمن السيبراني، وجمع المعلومات الاستخبارية!
التعاون السيبراني: أهم وجوه التعاون الإسرائيلي السعودي منذ سنوات
وحول الأمن السيبراني أشار بلومبيرغ الى أنه كان أحد أبرز مجالات التعاون بين الرياض وتل أبيب ومنذ العام 2012. حيث توطد هذا التعاون عندما اخترق متسللون نظام الكمبيوتر في شركة أرامكو السعودية، فاستعانت الرياض بخبراء اسرائيليين في مجال التكنولوجيا والتقنيات الأمنية الحديثة للتغلب على الأمر. لكن عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين فضلاً عما يُسمى بالمقاطعة العربية منعت السعودية من التصريح علنا حول علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي بحسب بلومبيرغ. كما أشار الموقع الى أن أبرز الأسباب التي تمنع خروج العلاقات السعودية الإسرائيلية للعلن هي مسألة القضية الفلسطينية، والتي تحاول الرياض إظهار التزامها الشكلي بها وبالقرارات العربية الخاصة بمقاطعة الكيان الإسرائيلي، لافتة إلى أن بعض المسؤولين الكبار في حكومة نتنياهو هم صلة الوصل بين الكيان والحكام العرب خاصة نائب الوزير "أيوب قرا"، ومحامي نتنياهو الشخصي "اسحق مولخو" والسفير السابق لدى الأمم المتحدة "دوري غولد".
دلالات وتحليل
عدة دلالات يمكن استخلاصها نُشير لها في التالي:
أولاً: إن الفضيحة الجديدة ليست بغريبة خصوصاً بعد أن تبيَّن حجم التعاون الإستخباري بين الأطراف الخليجية والكيان الإسرائيلي، خصوصاً الإنتقال من العلاقة السرية الى العلاقة العلنية. لكن الجديد هو في خروج مسألة استعانة الدول الخليجية بالكيان الإسرائيلي لتأمين استمرارية أنظمتها على حساب الصراع العربي الإسرائيلي وهو ما يجب الوقوف عنده بتأمل.
ثانياً: إن مسألة استعانة الأنظمة الخليجية بالشركات الإسرائيلية دليل واضح على إفتقاد هذه الأنظمة للمشروعية الشعبية، وبُعدها عن الإنتماء لشعوبها الأمر الذي جعلها تستعين بعدو هذه الشعوب. وهو الأمر الذي سيلقى ردة فعل من قِبَل هذه الشعوب التي تعارض أي علاقة مع الكيان الإسرائيلي.
ثالثاً: هذه الإستعانة تُعتبر مؤامرة من قِبل الأنظمة على شعوبها. وهي بمثابة إعطاء شرعية لشعوب المنطقة لقيادة تحرُّك سلمي يهدف لحماية مصالح وأمن الدول العربية ومقدساتها لا سيما كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
رابعاً: أثبتت الفضيحة الجديدة أن شعوب المنطقة تعيش في واقع غير آمن ومُشرَّع للكيان الإسرائيلي وعلى الأصعدة كافة، حيث أن من يُدرك ويعرف ما تعنيه مسألة بناء شركات اسرائيلية لقواعد بيانات تخص دول وشعوب المنطقة، يُدرك خطورة الوضع القائم. وهو ما يحتاج الى حذر وردة فعل تتجاوز الإدانة. ويُثبت مشروعية خيار المقاومة وأحقية أطراف محور المقاومة في سياساتها الدفاعية الإستباقية اقليمياً ودولياً، خصوصاً تلك التي تخص شعوب المنطقة.
إذن إن التعاون بين تل أبيب والأنظمة الخليجية ليس بجديد. في حين ومع مرور الزمن، تتكشَّف فصول المؤامرة الكبرى على شعوب المنطقة. مؤامرة يأتي من ضمن فصولها، العمل ضد مصالح الشعوب والتعاون مع تل أبيب.