الوقت - بعد کل إنجاز ومع كل انتصار يُحققه العراق، تتعالى أصوات أمريكا لتبُثَّ ترويجاتٍ حول الحشد الشعبي هي أشبه بالخيال الهادف لتحقيق أهداف باتت واضحة، يسودها مخاطبة الحشد كعنصرٍ مذهبيٍ في الصراع العراقي، دون الأخذ بكل الحقائق التي لا يعرفها أمريكا أيضاً. في حين لا يمكن استغراب لغة الفتنة والتي ليست جديدة على الطرف الأمريكي. فماذا في الأسباب الكامنة وراء محاولات واشنطن الدائمة استهداف الحشد الشعبي العراقي وصبغه بالمذهبية؟ وما هي الحقائق التي يعرفها العالم حول الحشد؟ وما أهم دلالات ذلك؟
لماذا تسعى واشنطن دوماً لاستهداف الحشد الشعبي العراقي وصبغه بالمذهبية؟
عدة أمور تتعلق بالسؤال أعلاه، تتمحور في الحقيقة حول إنجازات الحشد نُشير لها كما يلي:
أولاً: تمكن الحشد الشعبي من القضاء علی المخططات الأمریکیة الهادفة للتقسيم ولجعل العراق يدخل دوامة الصراعات الطائفية والمذهبية. الأمر الذي جعل من الحشد الشعبي قوة واقعية شعبية عراقية (محلية) قادرة على التأثير في معادلات الصراع العراقي. وهو الأمر الذي لم ولن يُناسب أمريكا.
ثانياً: تمكن الحشد الشعبي من القضاء على المخططات والمشاريع الأمريكية في عدد من المحافظات العراقية لا سيما في الموصل. وهو ما أنتج دوراً أكبر في عمليات الموصل بالإضافة الى مناطق أخرى كعمليات تلعفر وغرب نهر دجلة الأمر الذي دفع بواشنطن للسعي لتشويه سمعته.
ثالثاً: تمكن الحشد الشعبي من القيام بأدوار لم يتمكن الأمريكي من تنفيذها خصوصاً لجهة محاربة الإرهاب وتحرير العديد من المناطق والنجاح في الإنتصار في العديد من المعارك والتي تدخَّل الأمريكي فيها كطرف داعم للإرهاب في محاولة منه لإخضاع الحشد الشعبي، ومعركة تكريت هي خير مثيل لذلك.
رابعاً: نتيجة لكل ما سبق، ومن خلال الإنجازات التي حملت توقيع الحشد الشعبي، استطاع العراق ولأسباب تتعلق بتمكنه من الإستغناء عن الأطراف الخارجية وتحديداً أمريكا، وانخراطه في الصراع الإقليمي كطرف مؤيد لمسار محور المقاومة الذي تتزعمه إيران، ونسجه لعلاقات دولية مع كل من إيران وروسيا، وبالتالي بُعده عن الطرف الأمريكي، كل ذلك ساهم في تهميش أمريكا ودور التحالف الدولي التابع لها في التأثير على السياسة الإقليمية والدولية للعراق كما في محاربة الإرهاب. فيما كان الحشد الشعبي سبباً لكل ذلك.
حقائق يعرفها العراق والعالم، فهل تعرفها أمريكا؟
عدة مسائل يمكن الإشارة لها كحقائق تُثبت وطنية الحشد الشعبي وتجاوزه الحدود المذهبية. وهي على الشكل التالي:
أولاً: خلال شهر كانون الثاني من العام الحالي، صرَّح النائب عن اتحاد القوى في البرلمان العراقي "مشعان الجبوري" بأنه أول نائب سني قرر الالتحاق بالحشد الشعبي عام 2014 (بحسب تعبيره) تحت ما يُسمى بألوية صلاح الدين والتي بدأت بـ 100 مقاتل والآن أصبحت بالآلاف، وشاركت في معارك تحرير الشرقاط، وتكريت وبيجي. ويتزعم لواء صلاح الدين حاليّاً "يزن الجبوري" وهو نجل مشعان الجبوري، وهم مسلحون بمختلف أنواع البنادق والمدافع وبحوزتهم حوالي 400 مدرعة. الأمر الذي يُثبت أن الحشد لديه أطراف تمتلك قوة عسكرية على الأرض وتتوزع على عدة أفرقاء عراقيين.
ثانياً: في نهاية العام 2016، سلَّطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الضوء على جانب من معارك الحشد الشعبي وكيف يتعاون فيها السنة والشيعة يداً بيد في المعركة المصيرية. وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن لواء صلاح الدين السني (كما عبَّرت المجلة) هو قوة لا يُستهان بها، فبعد أن كان لا يزيد على بضع عشرات من المقاتلين، أصبح قوامه حوالي 3000 عنصر، وبات له حلفاء في الداخل والخارج، وحظي بغطاء سياسي من القوى الشيعية. الموجودة في الحشد. وبحسب المجلة، فلا يقتصر التواجد السني على ألوية صلاح الدين، بل هناك ألوية سنية أخرى، كأبناء العشائر في الرمادي. والكلام كله للمجلة الأمريكية.
ثالثاً: خلال شهر أيار من العام 2015، أكدت مجلة "نيوزويك" الامريكية ان قوات الحشد الشعبي العراقية تشكل رابع أقوى قوات ضاربة في العالم. واعتبرت المجلة أن تلك القوات العراقية تخوض معارك مميزة ضد تنظيم داعش الارهابي خاصة في الأشهر الأخيرة حيث حققت النصر فيها. وتمتلك قوات من مختلف الفئات العراقية. وأضافت النيوزويك أن الحشد الشعبي يعد الرابع على مستوى العالم بعد القوات الخاصة البحرية الامريكية "نيفي سايل" ومجموعة "ألفا" الروسية وفرقة "ايكو كوبرا" النمساوية.
إذن ليس مُستغرباً الخطاب الأمريكي تجاه الحشد الشعبي. بل إن حديث واشنطن، ليس بجديد وطبيعي. فالسياسة الأمريكية القائمة على بثِّ الفتنة، لا يمكن أن تكون إلا كذلك. سعيٌ دائمٌ للتبخيس بالإنجازات الوطنية للعراق وشعبه. لنقول أن المُتضرر الأول من الهجوم على الحشد الشعبي هو العراق وقوى الممانعة والمقاومة في المنطقة. الأمر الذي لن يحصل، لأن واقع الأمور لم يعد كما يشتهي صانع القرار الأمريكي. وسيبقى الحشد الشعبي نموذجاً للقوة الوطنية التي تجمع تحت أطيافها كل أفرقاء الوطن العراقي.