الوقت - كما في كل مرة تخرج واشنطن لتُدين تجارب إيران المشروعة. فيما بات السبب واضحاً، وهو محاولة إيجاد واقعٍ يُدين إيران، ويجعلها عُرضة للمساءلة الغربية أمام محاولاتٍ دائمة لإتهام طهران بخرقها القرارات الدولية. كل ذلك لا ينفصل عن المساعي الأمريكية الصريحة، لإعادة الأوضاع مع إيران الى ما قبل الإتفاق النووي. فماذا في الإنتقاد الغربي لتجارب إيران الصاروخية؟ وكيف دافعت موسكو؟ وما هي أهم دلالات ذلك؟
الإنتقاد الغربي
انتقدت اليوم كل من باريس وواشنطن قيام إيران بإختبار صاروخ باليستي متوسط المدى يوم الأحد المنصرم. واعتبرت ذلك انتهاكا للقوانين الدولية خاصة القرار 2231. ويعقد مجلس الأمن اجتماعاً طارئاً بدعوة من واشنطن لمناقشة التجربة الصاروخية.
تل أبيب تفضح النوايا الغربية: محالةٌ لاستهداف الإتفاق النووي
طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعادة فرض العقوبات ضد إيران فورا وقال انه سيتباحث مع الرئيس الأمريكي ترامب لاعادة النظر في "الاتفاق النووي الفاشل بأكمله" بحسب تعبيره، والذي توصلت اليه ادارة اوباما وست دول كبرى مع إيران في عام 2015. وأكد نتنياهو والذي سيلتقي ترامب في البيت الابيض الشهر القادم، انه سينادي لإعادة فرض العقوبات على إيران بسبب التجارب الصاروخية، وسيتباحث معه في كيفية الرد على ما اعتبره الإعتداء الإيراني.
روسيا تدافع
دافعت وزارة الخارجية الروسية، عن إجراء إيران تجربة صاروخية، قائلة إن الأمر لا ينتهك قرار مجلس الأمن الدولي حول برنامج طهران النووي. وقال نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف أن مثل هذه الأفعال، وفي حال حدثت، فإنها لا تنتهك القرار مشيرا إلى أن القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي لا ينص على منع إيران من القيام بمثل هذه الأفعال. وأوضح ريابكوف، في تصريحات نقلتها "فرانس برس" أن قرار مجلس الأمن الدولي يحظر على إيران فقط إجراء تجارب على صواريخ قادرة على حمل رأس نووي.
تحليل ودلالات
عدة دلالات يمكن التوصل إليها نشير لها في التالي:
أولاً: إن ما تقوم به إيران هو من حقها ولديها كامل المشروعية لذلك، خصوصاً في ظل التهديدات الأمريكية الواضحة لا سيما مع وصول إدارة جديدة يترأسها دونالد ترامب والذي لا ينقضي يوم إلا ويتحدث عن ضرورة ردع طهران وبأي طريقة. في حين لا ينفصل السلوك الأمريكي عن المساعي الإسرائيلية الدائمة لمحاصرة التطور والتعاظم الإيراني في المنطقة. وهو ما يجعل السلوك الإيراني في خانة ردة الفعل والدفاع العسكري.
ثانياً: إن افتعال الذرائع الإستباقية، والسعي دوماً لإيجاد مُبررات لخلق جو من التوتر السياسي بين الغرب وإيران، هو من المسائل التي باتت واضحة، خصوصاً أن إيران كانت وما زالت تُجاهر بالعداء للسياسة الغربية والتي لا تتوافق مع مصالح شعوب المنطقة وتحديداً السياسة الأمريكية، التي لا تهتم إلا بمصالحها ومصالح تل أبيب الإستراتيجية.
ثالثاً: إن عملية التهويل من القدرات الصاروخية الإيرانية ليست جديدة. بل هي تدخل في خانة الرهان على خلف واقع يُبرر التوجه الأمريكي المُستقبلي للإدارة الأمريكية الجمهورية والتي ومنذ الإنتخابات الأمريكية، تتحدث عن ضرورة الغاء الإتفاق النووي مع إيران. فيما يبقى السقف الأمريكي حذراً من ردة الفعل الإيرانية، والتي لم تتهاون يوماً في رسم خطوط السياسة الدولية، إنطلاقاً من مصالح إيران الإستراتيجية والمبنية على أساس مصالح وخيارات شعوب المنطقة.
رابعاً: يدعم التهويل الحاصل، محاولة اللعب على السيناريوهات المستقبلية السياسية المُحتملة للإدارة الأمريكية. خصوصاً أن سياسة الغموض ما زالت تكتنف المُخطط الأمريكي، وهو ما يحتاج لوقت من أجل وضوحه. فيما لا تتجرأ أمريكا على القيام بأي خطوات أكثر من التحريض الإعلامي وإستخدام مجلس الأمن.
خامساً: إن هذه السياسة القديمة الجديدة، أثبتت فشلها لا سيما أنها فضحت حقيقة الطرف الأمريكي دولياً والذي باتت براغماتيته فاضحة، وجعلته يسقط على الصعيد الدولي. في حين يجب الإشارة الى أن الهم الأمريكي الأول في المنطقة هو أمن الكيان الإسرائيلي والذي يُعتبر العدو الوحيد والأساسي لإيران في المنطقة. في حين بات يعرف القاصي والداني أن التهديد النووي الأول في المنطقة والعالم هو الكيان الإسرائيلي.
إذن يعيش العالم حالة من التحول في السياسة الدولية. تحوُّلٌ لا ينفصل عن طموحات دونالد ترامب والذي ما يزال غامضاً في توجهاته الإستراتيجية. أما بالنسبة لطهران فهي ماضية في ممارسة حقها الطبيعي، من منطلق تعزيزها لقدراتها الدفاعية، والتي تهدف لردع أي اعتداءٍ أمريكي أو إسرائيلي.