القت- عاشت تركيا التي تعتبر جسرا بين آسيا و أوروبا ظروفا أمنية مختلفة طوال السنين الماضية فتارة شهد هذا البلد الاستقرار والأمن وتارة عانى من انعدام الأمن، لكن مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم أدخل تركيا الى مرحلة جديدة من التطورات والسياسات الداخلية والخارجية.
التنمية الاقتصادية والاصلاحات السياسية والترشح لعضوية الاتحاد الاوروبي والدعايات الاعلامية الغربية كلها تسببت بطرح تركيا كأنموذج للبلدان الاسلامية لكن مع اندلاع الثورات الشعبية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا راود الأتراك حلم قيادة الدول الاسلامية ودخلوا في وهم كلّفهم كثيرا، وكانت هذه التوجهات التركية نابعة من الافكار العثمانية الحديثة وهذا خطأ استراتيجي ارتكبته تركيا التي عانت من مشاكل خارجية وايضا داخلية فحدثت احتجاجات حديقة غيزي في اسطنبول ومن ثم فضيحة فساد المسؤولين الحكوميين في عام 2013 وايضا الانقلاب العسكري في عام 2016 وكل ذلك نال من سمعة تركيا في العالم وزعزع مكانتها.
ومن اجل السيطرة على الاوضاع اصبحت الحكومة مجبرة على ممارسة ضغط ممنهج وغير ديمقراطي حيث بادرت حكومة حزب العدالة والتنيمة الى تعزيز صلاحيات الاجهزة الامنية لقمع تيار غولن ما أدى الى الضغط على وسائل الاعلام ووقف عمل الكثير من القنوات التلفزيونية والاذاعية والجرائد كما قلص اردوغان استقلال القضاء وطرح مشروعه لتغيير النظام البرلماني الى نظام رئاسي وقامت الحكومة ايضا بوضع خطط الانفتاح على العلويين وحل القضية الكردية جانبا.
وأدت كل هذه القضايا الى اندلاع حالة من الفوضى وانعدام الامن في البلاد واصبحت تركيا تعاني بشكل مستمر من التوتر مع الجيران وتدخلاتها الفاضحة في سوريا والعراق والنزاع المسلح مع الاكراد المعارضين وتقليص الحريات المدنية واعتقال المثقفين والاعلاميين المنتقدين وتصفية حسابات سياسية مع الشخصيات والمؤسسات التابعة لفتح الله غولن وأزمة اللاجئين وتراجع السياحة والمستثمرين وغيرها من المعضلات.
وتعتبر الانقسامات الاجتماعية احدى التحديات الامنية التي تعاني منها تركيا، وهناك عدة انقسامات رئيسية في المجتمع التركي يمكن الاشارة اليها وهي:
1- الانقسام القومي؛ وأهم مظاهره هو الانقسام التركي-الكردي، و كان هذا الانقسام يتفاعل بقوة في السنوات الماضية و ادى الى ظهور حزب العمال الكردستاني وجلب لتركيا خسائر اقتصادية كبيرة وفوضى وانعدام الأمن.
2- الانقسام الطائفي؛ وهو على نوعين فهناك انقسام بين الاسلاميين والعلمانيين وانقسام آخر بين السنة والعلويين وكلا الانقسامين حادين في تركيا، وقد شهدت تركيا في السنين الماضية مواجهات بين الاسلاميين والعمانيين وتناوب الاثنان على الحكم وحينما كان الاسلاميين في سدة الحكم كان الانقسام السني العلوي يشتدّ تماما كما يحصل الان.
3- الصراع الطبقي؛ هناك في تركيا كسائر البلدان طبقة عليا ووسطى وسفلى لكن الفارق بين هذه الطبقات في تركيا تزايد بشكل كبير في السنوات الاخيرة لأسباب عدة منها النمو الاقتصادي غير المتوازن الذي ادى الى ظهور طبقة متوسطة ترفض الخطاب الاسلامي للحكومة، ان تركيا تعاني حاليا من سلبيات حالة النمو الاقتصادي غير الشامل والأحادي ولذلك نرى الفقر متفشيا والاختلافف الطبقي موجودا مع غياب العدالة الاجتماعية.
كما ان هناك شرخ يتعاظم بسرعة بين المدن والقرى ففي حين يعيش سكان 14 محافظة تركية اوضاعا اقتصادية جيدة يعاني سكان 27 محافظة من اوضاع اقتصادية سيئة وهذا ينذر بتفاقم السخط الاجتماعي والاقتصادي.
4- انقسام الأجيال؛ هناك انقساك كبير بين الاجيال في تركيا فالفارق العمري الكبير بين جيل الشباب وجيل المتقدمين في العمر ادى الى ظهور رغبات متفاوته لدى هؤلاء وان الاحتجاجات التي قادها الشبان تدل بأن هذا الانقسام الموجود بين الاجيال يمكنه ان يتحول الى معضلة كبيرة ايضا.
اخيرا يمكن القول ان المجتمع التركي يعاني من انقسام اجتماعي واذا ازداد الانقسام الديني - العلماني وأضيف الى الانقسام القومي التركي-الكردي فإن لذلك تأثير سلبي كبير على التطورات الاجتماعية والوئام السياسي في البلاد.