الوقت- قبل سنوات من الآن أثار الغربيون ضجة حول البرنامج النووي الايراني مهددين بالذهاب الى مجلس الامن الدولي ، وقد علقت حينها ايران نشاطاتها لكنها استأنفتها بعد حين عندما اكتشفت بأن الغربيين يماطلون في حل الملف النووي الايراني وبعد مضي عدد من السنين أجبرت ايران الغربيين على الجلوس الى طاولة المفاوضات وجها الى وجه وانتزعت منهم اعترافاً ببرنامجها النووي وسلمية هذا البرنامج واستمرار كافة المنشآت النووية في عملها ، فكيف استطاعت ايران تسجيل هذا الإنجاز وما هي مكامن قوة ايران؟
يقول رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية علي اكبر صالحي إن ايران قد توصلت الى مستوى من القدرات في التقنية النووية أجبر الجانب الغربي على الجلوس مرغماً الى طاولة المفاوضات ، ويوافق صالحي الكثيرون في ايران حيث ان الجانب الغربي لم يكن يتوقع ان يستطيع الايرانيون تخصيب اليورانيوم الى نسب عالية وبناء مفاعل للماء الثقيل وصنع اجيال حديثة من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم ، لكن قوة ايران لم تقتصر على مجال العلوم النووية فقط وهناك جوانب اخرى من مكامن القوة يمكن الإشارة اليها مثل قدرة الشعب الايراني على تحمل الصعوبات الاقتصادية وقدرة القوات المسلحة الايرانية وامتلاكها قوة ردع عالية منعت اي عدوان على المنشآت النووية وغير النووية في البلاد سواء من جانب الكيان الاسرائيلي او امريكا والغرب وقدرة الدبلوماسية الايرانية على إدارة الصراع الدبلوماسي النووي وفوق هذا كله حكمة القيادة الايرانية التي أدارت هذا الصراع مع الدول العظمى في العالم لسنوات.
ويضاف الى ما ذكرناه امر هام جدا وهو ان مكانة ايران الاقليمية والدولية قد تعززت أضعافاً مضاعفة عما كانت عليه قبل سنوات. فالمتابع للشؤون السياسية والاستراتيجية في المنطقة يجد ان ايران لها نفوذ واسع في المنطقة الممتدة من افغانستان الى البحر الابيض المتوسط وشمال افريقيا وشمال المحيط الهندي وان هذا النفوذ والمكانة المرموقة لايران أجبرت القوى الغربية على إنهاء حالة التمثيل التي كانت تقوم بها لسنوات حينما كانت تتجاهل ايران ودورها ، ومع هذا كله يجب ان نشير هنا إلي ان النفوذ الايراني في المنطقة ومكانتها الاقليمية لن يغنيان عن بناء قدرات عسكرية هائلة اعترف بها العدو قبل الصديق وهي ما تخوفت منه كل الاطراف التي مارست شتى الضغوط وهددت ايران بخيارات فوق الطاولة وتحت الطاولة.
ان امتلاك ايران لقوات عسكرية مستعدة للدفاع عن البلاد بشكل يفوق تصور الاعداء بالاضافة الى امتلاكها لاسلحة متطورة ظهرت خلال المناورات الكثيرة والمتعددة التي أجرتها القوات المسلحة الايرانية في طول البلاد وعرضها وفي البحار لسنوات، جعلت من كانوا يفكرون بشن اعتداء على المنشآت النووية الايرانية ويجاهرون بإعلان ذلك ان يفكروا الف مرة قبل اتخاذ مثل هذا القرار وعدلوا عنه حتى وصلت الامور الى ان يعلن وزير الخارجية الامريكي قبل ايام بأن امريكا لا تستطيع تركيع الايرانيين.
وفي جانب آخر من المنطقة كان الكيان الاسرائيلي الذي استلم قبل سنوات طائرات تستطيع الطيران لمسافات طويلة دون التزود بالوقود من اجل شن اعتداء على ايران لكن هذا الكيان لم يتجرأ على التحرك ازاء ايران بعدما ذاق مرارة الهزيمة على يد حلفاء ايران بالمنطقة اي حزب الله وحماس عدة مرات خلال العقد الماضي وعلم هشاشة جبهته الداخلية وضعف جيشه امام حركات واحزاب مقاومة فكيف به اذا فتح جبهة مع ايران وهي الدولة القوية التي تتسلح لمواجهة مع امريكا وليس الكيان الاسرائيلي فقط ؟
ان الشعب الايراني ومن خلال مثابرته وتحمله للصعوبات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات المفروضة على البلاد على خلفية البرنامج النووي أثبت للعالم بأنه متمسك بحقوقه النووية وغير النووية وانه لن يتخلى عن هذا الحق عبر تهديده بالاساطيل والطائرات والصواريخ والخيارات الامريكية الاخرى بل ان الشعب الايراني قد ذهب أبعد من ذلك وتحدى التهديدات حينما وسع البرنامج النووي الايراني في خضم التهديدات وتحدى امريكا وأذيالها في العالم والمنطقة.
وهنا يمكن القول بأن النموذج الذي تقدمه ايران من الاعتماد على الذات والثقة المتبادلة بين الشعب الايراني وقادته هو نموذج ناجح يمكن للشعوب والدول الاخرى في المنطقة ان يقوموا باتباعه بعدما ظهرت نتائج المقاومة التي أبدتها وتبديها ايران امام المشاريع الصهيوامريكية التي تتربص بالبلدان الاسلامية في المنطقة.