الوقت- لم نفاجأ بالعقوبات الأمريكية الأخيرة على سوريا وروسيا. العقوبات الجديدة تأتي بعد أيام على تمديد الاتحاد الأوروبي للعقوبات الاقتصاديّة على روسيا حتى 31 تموز/يوليو عام 2017.
لا يمكن فصل هذه العقوبات عن معركة حلب والنصر الإستراتيجي، بل جاءت تتويجاً لسقوط المشروع الأمريكي في الشمال السوري، الأمر الذي دفع البيت الأبيض للعب ورقته الاقتصاديّة الأخيرة.
العقوبات الجديدة
في التفاصيل، أعلنت أمريكا أمس الجمعة أنها أدرجت وزراء سوريين، ومسؤولين في مصرف روسي على لائحتها الاقتصادية السوداء بسبب "دورهم في أعمال العنف" ما يعني تجميد أصولهم في الولايات المتحدة وعزلهم ماليا.
وجاء في بيان للوزارة أن "العقوبات فرضت على وزير الصناعة السوري أحمد الحمو ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات علي الظريف، ووزير المالية مأمون حمدان، ووزير النقل علي حمود ووزير الإعلام محمد رامز ترجمان، ووزير البترول والثروة المعدنية علي غانم، كما فرضت على مدراء في مصرف (تيمب بنك) الروسي لصلتهم بسوريا".
وأضاف البيان" تم إضافة 23 منظمة روسية إلى قائمة العقوبات، لأعمالها المناقضة لمصالح الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية، من بينها شركة الموانئ والسكك الحديدية لشبه جزيرة القرم، ومعاهد البحوث الروسية وشركات أخرى".
رسائل و دلالات
أسئلة عدّة تطرح نفسها بعد القرار الأخير الذي قد لا يصمد حتى يجف حبره، باعتبار أن الإدارة الأمريكية الجديدة باتت منتهية الصلاحيّة بحكم الواقع الذي ينتظر وصول ترامب إلى البيت الأبيض بعد أقل من شهر: فما هي أسباب هذه العقوبات؟ وما هي أبرز دلالاتها؟
كثيرة هي الرسائل الأمريكية من العقوبات الأخيرة، وهو الحال نفسه بالنسبة للدلالات، ويمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً: أرادت الإدارة الأمريكية الخروج في حالت الضعف التي ظهرت في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع سطوع نجم روسي دولي، وإيراني إقليمي، وسوري محلّي. في الحقيقة، تسعى واشنطن لاستعادة هيبتها التي سقطت عسكرياً، ولكن هذه المرّة عبر البوابة الاقتصاديّة علّها تنجح في الحدّ من تأثيرات انتصار حلب الاستراتيجي.
ثانياً: قد يرى البعض في العقوبات الأمريكية رسائل قوّة، إلا أنّها في الواقع رسائل عجز لا أكثر، فعندما تعجز عن تحقيق أهدافها عبر البوابتين السياسيّة والعسكرية، تلجأ إلى العقوبات الاقتصادية كما حصل مع إيران سابقاً بسبب مشروعها النووي السلمي، أو روسيا بسبب جزيرة القرم، ومؤخراً معركة حلب الكبرى التي أسقطت هدف إسقاط النظام في سوريا.
ثالثاً: فيما يخص حلب، أدركت أمريكا أنّ نتائج المعركة تعد تطوّراً كبيراً وبالغ الأهميّة لسوريا وحلفائها، في المقابل هي هزيمة لأمريكا وحلفائها، وبالتالي كان لا بد من تعديل كفّة الميزان عبر البوابة الاقتصادية بعد وصول العسكريّة منها إلى حائط مسدود.
رابعاً: هناك جزء من الرسائل يختص بالداخل الأمريكي حيث وجد الرئيس أوباما نفسه مجبراً على حفظ ما تبقّى من ماء وجه ادارته التي تلقّت ضربة قويّة من سوريا وحلفائها لذلك لجأ مجدّداً إلى العقوبات الاقتصاديّة خاصّة أن الطريقة التي وصفت بها وسائل الإعلام الأمريكية والسياسيين "التهديد" الروسي كانت في كثير من الأحيان هستيرية ومبالغ فيها، وفق إيفان إيلاند، مدير مركز السلام والحرية في المعهد المستقل.
خامساً: في الشق الداخلي أيضاً، تسعى الإدارة الأمريكية في أيّامها الأخيرة إلى وضع عراقيل إضافيّة أمام الرئيس المنتخب دونالد ترامب، والموقف الأخير حيال روسيا يدخل في هذا السياق. الرئيس ترامب وعد بمسار يختلف عن المؤسسة التقليدية الأمريكية حيث يسعى لانتهاج مسار جديد يبتعد عن المواجهة والصدام والكف عن اللعب على حافة الهاوية مع روسيا، وهذا ما تخشاه إدارة أوباما.
اذاً، يبدو أن رسائل القوّة التي أرادها أوباما، هي في الحقيقة رسائل عجز عسكري، وقوّة اقتصاديّة لن تطول أكثر من شهر، موعد استلام ترامب للرئاسة، وبالتالي لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: إن كافّة العقوبات الأمريكية و أوراقها الخريفية التي كُتبت عليها قد تتطاير مع ريح ترامب الآتية، إذ تكفي ورقة واحدة، لإعادة الأوضاع إلى مرحلة ما قبل العقوبات الاقتصاديّة.
ثانياً: يعتقد العديد من الخبراء أن إسقاط أو تخفيف العقوبات الاقتصاديّة على روسيا، سيؤدي إلى تراجع الاتحاد الأوروبي عن عقوباته ضد روسيا. في الواقع، تمثّل رؤية ترامب شريحة واسعة من الجمهوريين، ففي حين أظهرت استطلاعات رأي أمريكية في العام 2014 موافقة 10 بالمئة فقط من الجمهوريين على شخص الرئيس بوتين، ارتفعت هذه النسبة 266 بالمئة في سبتمبر الماضي، و37 في الاستطلاع الأخير، وهو رقم مرشّح للارتفاع مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
في الخلاصة، تُثبت العقوبات الأمريكية الأخيرة عجز واشنطن مجدداً. إدارة أوباما التي هدّدت بالتدخّل العسكري في العام 2014 لإسقاط الرئيس الأسد، ترحل اليوم وأكثر ما في سجلّها عقوبات اقتصاديّة يصح وصفها بعقوبات تصريف الأعمال.