الوقت - من يعود للتاريخ ليقرأ أن تركيا ومنذ العام 1960 تسعى للإنضمام الى الإتحاد الأوروبي، في حين بدأت المفاوضات بين الطرفين عام 2005 بشكل رسمي، يُدرك أن المسألة أكبر من مسألة لاجئين أو عضوية. بل إن المسألة تتعلق بأزمة ثقة يفضحها أي توترٍ يحصل بين الطرفين. فماذا في التوتر بين تركيا والإتحاد الأوروبي؟ وكيف يُعبِّر ذلك عن أزمة ثقة؟
الرئيس التركي مُهدداً الإتحاد الأوروبي
وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديداً صريحاً وواضحاً للإتحاد الأوربي، مفاده أن تركيا لاتفهم لغة التهديد، وستقوم بفتح المعابر الحدودية أما اللاجئين الراغبين بالتوجه نحو أوروبا، في حال بالغ الإتحاد في إجراءاته ضد أنقرة. كلامه جاء بعد تصويت البرلمان الأوروبي على قرار تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الإتحاد مؤقتاً.
التوافق التركي الأوروبي
في شهر آذار من العام الحالي، أبرمت أنقرة وبروكسل اتفاقاً يُتيح وقف تدفق المهاجرين إلى الجزر اليونانية. تعهدت فيه تركيا بمنع ورود اللاجئين الى أوروبا، شرط تأمين الإتحاد الأوروبي لمساعدة بقيمة ثلاثة مليارات يورو والمسارعة في مفاوضات ضمِّ تركيا الى الإتحاد الأوروبي. وهو ما أدى الى تراجع عدد اللاجئين الى 171 ألف لاجئ مقارنةً بـ 740 ألف في العام المنصرم، بحسب منظمة الأمم المتحدة.
تركيا وأوروبا: سياسة الإبتزاز المتبادل يسودها فقدان الثقة
توالت رود الأفعال على تصريح أردوغان. حيث أكد بعض السياسيين الأوروبيين أن أوروبا لن تنحني أمام ابتزازات أردوغان والذي اعتبره البعض يستخدم اللاجئين كالإنتحاريين! في حين جاءت بعض ردود الفعل لتتحدث عن قصر النظر الأوروبي تجاه تركيا وأزمة الثقة بين الطرفين وهنا نُشير لبعض التصريحات بشكل موضوعي:
- إعتبر رئيس الوزراء السويدي السابق "كارل بيلت" أن أعضاء البرلمان الأوروبي اتخذوا قراراً بعيد عن السياسة على المدى القصير، بدلاً من البحث عن نهج استراتيجي طويل الأمد في العلاقات مع تركيا.
- اكد السياسي البريطاني وعضو حزب الديمقراطيين الأحرار "أندرو داف" أن قيام تركيا بفتح حدودها سيجعل أغلب اللاجئين أتراك، في إشارة منه إلى هروب آلاف الأتراك نحو أوروبا بعد سياسة التطهير السياسي التي يعتمدها أردوغان.
- أشار نائب رئيس البرلمان الأوروبي "ألكسندر لامبسدورف" الى أن المحادثات بيت الإتحاد وتركيا غير صادقة جوهرياً، حيث أن الطرفين التركي والإتحاد الأوروبي لم يكن لديهم أي اهتمام جدّي بنجاح المحادثات. وهو ما أدى الى التوتر الحالي.
- قالت المتحدثة باسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "أولريكي ديمير" تعليقاً على تهديد أردوغان، بأن تهديد الإتفاق بين الإتحاد الأوروبي و تركيا حول المهاجرين لايؤدي إلى نتيجة مضيفةً أن الإتفاق بين تركيا و الإتحاد الأوروبي يعتبر نجاحاً مشتركاً، ويجب الاستمرار به لأن ذلك يصب في صالح كافة الأطراف.
- أكدت مسؤولة السياسة الخارجية والأمن في الإتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني" بأن قرار الإتحاد الأوروبي سيؤدي إلى سيناريو خاسر في كل الأحوال، مشيرة إلى أن أفضل طريقة لتقوية الديموقراطية في تركيا هي عبر العمل والتواصل مع الحكومة التركية وإبقاء الخطوط مفتوحة.
المشكلة الجوهرية: أزمة الثقة!
بناءاً لما تقدم ومن خلال تحليل معطيات أخرى يمكن قول التالي:
أولاً: يفضح كل توترٍ بين الطرفين التركي والأوروبي وجود أزمة ثقة بنيوية بين الطرفين. وهو الأمر الذي يؤثر على أي علاقةٍ أو اتفاقٍ بينهم. على الرغم من محاولة السياسيين تناول الحدث بشكلٍ سياسيٍ بحت، فإن سلوك الطرفين يُثبت وجود أزمة ثقة جذرية.
ثانياً: إن العلاقة بين تركيا وأوربا لم تكن جيدة تاريخياً. بل إن حصول توافقٍ تركيٍ أوروبي يعتبره البعض من سابع المستحيلات. في حين طغت المصالح السياسية على علاقة الطرفين، ومنها كانت مسألة اللاجئين.
ثالثاً: من الواضح اعتماد الإبتزاز كسياسة في إدارة العلاقة بين الطرفين. فمن جهته يقوم الجانب الأوروبي بإعطاء وعود لتركيا بضمها الى الإتحاد الأوروبي مقابل تحقيق مصالحها. وفي المقابل تستخدم تركيا لغة التهديد الأمني أمام أوروبا، في حال نكثت وعودها. في حين لم تخرج العلاقة بينهم يوماً، لمستوى بناء أسس مشتركة ومتينة.
رابعاً: إن ما يجري اليوم هو مثال عن نتائج السياسة الدولية المبتذلة، والتي يعتمدها الطرفان، خدمةً لمصالح آنية خاصة تهم أنظمة، وليس مصالح شعوب. وهو ما سينعكس بضرره على الطرفين، لإن سلاح الإرهاب الأمني (فتح الحدود) أو السياسي (تعليق مفاوضات العضوية)، وبحسب التجربة التاريخية، لا ينفع.
إذن، تعيش العلاقات التركية الأوروبية فصلاً جديداً من التوتر، ضمن مسارٍ طبيعي يخلو من الثقة المتبادلة. لنقول أن هذه هي حكاية التهديد التركي لأوروبا، حيث تكون الأزمة الحقيقية أزمة ثقة!.