الوقت - ولاية كاليفورنيا، أو كما تُسمى "الولاية الذهبية"، هي أهم الولايات الأمريكية، والتي تعيش مؤخراً مساعٍ لتحقيق خيار مواطنيها بالإنفصال. مما يجعل من الضرورة طرح المسألة بموضوعية. وهنا فإنه أيضاً من الضروري الإشارة الى أن هذه الولاية، نجحت في السابق في إجراء استفتاء عام 1994، حول مسألة الهجرة غير الشرعية إليها، ووافق سكانها حينها على حرمان المهاجرين غير الشرعيين من تلقي الخدمات الإجتماعية كالتعليم العام والعلاج المجاني. واليوم يُطرح موضوع إجراء استفتاءٍ حول الإنفصال عن أمريكا. فكيف يمكن دراسة واقع وإمكانية تحقيق ذلك؟
المساعي نحو الإنفصال: دراسة الواقع والإمكانية
عدة أمور يجب تسليط الضوء عليها لدراسة واقع وإمكانية انفصال كاليفورنيا عن الولايات الأمريكية الأخرى. وهي على الشكل التالي:
أولاً: وجود أرضية داعمة لتحقيق الإنفصال
يُعتبر أهم عامل لتحقيق أي هدف، وجود ما يُسمى "أرضية للهدف". وهو الأمر الذي يبدو واضحاً من خلال متابعة سلوك حركة "Yes California" والتي تدعو إلى انفصال الولاية عن باقي الولايات الأمريكية عبر ما يُسمى"Calexit" . ويمكن تلخيص مساع الحركة بالتالي:
- منذ يومين، قدمت الحركة عريضة إلى مكتب الإدعاء العام الأمريكي بشأن إجراء الإستفتاء في هذا الشأن.
- يمكن ملاحظة المساعي الرسمية للحركة، والتي تدخل تحت عنوان، "قوننة التحرك" أي جعله تحركاً مشروعاً يدعمه القانون الأمريكي، عبر مطالبة الإدعاء العام بإطلاق تسمية رسمية على طلبهم بإجراء الإستفتاء وتسجيله بشكل رسمي أيضاً. في مساعٍ لإجراء الإستفتاء بشأن الإنفصال عام 2018 بحسب ما أكدت صحيفة "لوس أنجولوس تايمز" بتاريخ 22 تشرين الثاني المنصرم.
- إطلاق الحركة لحملة دولية تدعم خيار الإنفصال، عبر تفعيل عمل بعثاتها في عدد من دول العالم.
ثانياً: العامل الديمغرافي وتأثيره في دعم خيار الإنفصال
إن التعداد السكاني لولاية كاليفورنيا، يلعب دوراً كبيراً في دعم خيار الإنفصال. حيث أن نجاح الحركة الداعمة للإنفصال في حشد تأييد غالبية الولاية، سيجعل خيار الإنفصال خياراً جماعياً، خصوصاً أن استطلاعات الرأي والتي تناولها الإعلام الأمريكي، أكدت ارتفاع تأييد خيار الإنفصال بعد وصول دونالد ترامب للرئاسة. ولعل أهم الحقائق الديموغرافية التي يجب أخذها بعين الإعتبار تتعلق بالتالي:
- تعداد ولاية كاليفورنيا السكاني يصل الى 39 مليون نسمة، وتقع في صدارة عدد السكان بين الولايات الأمريكية.
- يمكن تحديد التوزيع العرقي فيها الى :57.6% من البيض، 19.3% من أصل أمريكي لاتيني، 13% من أصل آسيوي و6.2% من السود أو الأمريكيين الأفارقة، إضافة إلى أعراق أخرى.
ثالثاً: العامل الإقتصادي والقدرة على الإكتفاء الذاتي
إن المساعي للإنفصال، يدعمها وجود قدرة على تحقيق الإكتفاء الذاتي، وذلك لأسباب تعتبر الأكثر وضوحاً. نُشير لها بالتالي:
- يُصنف اقتصاد كاليفورنيا في المرتبة الأولى أمريكياً حيث تساهم الولاية بنسبة 13.2% من الناتج المحلي لأمريكا. بالإضافة الى ذلك يُعتبر إقتصاد كاليفورنيا التاسع عالمياً.
- يعتمد اقتصادها على قطاعات الزراعة والخدمات والصناعة الى جانب توفُّر موارد وثروات عديدة. مما يجعله إقتصاداً كامل الإكتفاء لتوزع إيراداته على كافة القطاعات الأساسية.
- في مجال الصناعة، يوجد فيها العديد من الإنتاجات الصناعية المُربحة، كصناعة الطيران والصناعات النفطية، الى جانب صناعة تكنولوجيا المعلومات. بالإضافة الى اعتبارها عاصمة السينما والترفيه في العالم بسبب وجود كل من "هوليوود" و"ديزني لاند" فيها.
- في الزراعة تُعتبر منطقة الوادي الأوسط والذي يعبُره نهرا "سان جواكوين" و"ساكرامنتو"، مصدراً لأكثر من 200 محصول من الفواكه والزهور والمنتجات الحيوانية.
- تمتلك الولاية ثروات بحرية هائلة، كالأسماك والطحالب البحرية، وأخرى معدنية كالذهب والنفط والغاز الطبيعي، خصوصاً جنوبي وادي سان جواكوين، وعلى امتداد الساحل.
رابعاً: العامل السياسي وتحفيزه دعم خيار الإنفصال
إن تاريخ الولاية يتحدث عن مساهمتها في تنصيب 3 رؤساء جمهوريين خلال القرن الماضي، وهم: "هربرت هوفر"، "ريتشار نيكسون" و"رونالد ريغان". حيث بقيت الولاية وحتى العام 1984 تدعم الحزب الجمهوري سياسياً. كما يُمثل الولاية 53 نائبا في مجلس النواب، وتحظى كذلك بنفوذ كبير على المستوى الفيدرالي. في حين تشكَّلت لدى سكان الولاية توجهات سياسية مطالبة بالإنفصال نتيجة التالي:
- يعتبر الخبراء الأمريكيون أن فقدان التواصل السياسي بين الحزب الجمهوري وغالبية السكان في كاليفورنيا، ولفترة طويلة من الزمن، ولّد نتائج سلبية انعكست على رؤية السكان للعمل السياسي في أمريكا، خصوصاً نتيجة وجود خلافات بينهم وبين الحزب الجمهوري فيما يخص قضايا معينة مثل مسألة الإجهاض وحقوق المثليين وحماية البيئة. حيث لم يتم العمل على بناء أواصر بين السياسيين والمواطنين لفهم وتبادل وجهات النظر.
- ولَّدت هذه الحالة ضعفاً في التنافس السياسي بين الأحزاب في كاليفورنيا. حتى أن الرئيس باراك أوباما، والذي فاز بأصوات كاليفورنيا أيضاً، لم يفِ بوعوده تجاه حل مشكلاتها.
إذن، يُبيِّن الواقع من خلال سرد الحقائق وتحليلها، إمكانية تحقيق كاليفورنيا لإنفصالها حيث تتمتع بالقدرة الكاملة على الحكم الذاتي. في حين يبقى ذلك نظرياً، حيث يحتاج الأمر الى تحقيق مسارٍ شرعي قانوني يُساهم في نيل الولاية حقها بإجراء الإستفتاء كخطوة أولى لتحقيق الإنفصال عملياً عن الولايات الأخرى.