الوقت- يبدو أن الضجيج الاعلامي الذي أحدثته إدارة الرئيس الأمريكي الحالي "باراك أوباما" حول عمليات تحرير مدينة الرقّة السورية من تنظيم "داعش" الإرهابي لم يكن سوى زوبعة في فنجان وهواء في شبك، ولم يسفر سوى عن تقوية موقف الجماعات المسلحة التي تدعمها واشنطن ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد.
والمثير للانتباه إن الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا قد بدأت مؤخراً عمليات عسكرية تهدف للتقرب من مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، وهذا يعني أن ثمة ضوء أخضر أمريكي لأنقرة للسيطرة على هذه المدينة في ظل الأوضاع الميدانية المضطربة التي تشهدها سوريا، خصوصاً فيما يتعلق بمستقبل عمليات تحرير الرقّة التي ترفض تركيا أن تشارك فيها القوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، خشية أن تتمكن هذه القوات من توسيع نفوذها لإقامة حكم ذاتي في المناطق التي تقع تحت سيطرتها في شمال سوريا وتحديداً في كانتونات (كوباني- الجزيرة- عفرين).
ومن المعروف أن أنقرة تعارض إقامة منطقة حكم ذاتي لأكراد سوريا وقد حذّرت مراراً من أنها لن تسمح بإقامة هذه المنطقة لاعتقادها بأن ذلك سيتيح المجال لأكراد تركيا بالمطالبة بإقامة منطقة مماثلة في جنوب البلاد وهذا يمثل بالنسبة لها خطاً أحمر وترى فيه تهديداً لأمنها القومي.
وكانت صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية قد ذكرت قبل نحو أسبوعين نقلاً عن مصادر في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أن عملية إستعادة الرقّة من "داعش" ستستغرق نحو ستة أشهر على الأقل، خلافاً لما قاله وزير الدفاع الأمريكي "آشتون كارتر" عن أن العملية ستبدأ في غضون بضعة أسابيع، والذي فاجأ به العسكريين المكلفين بالتخطيط لهذه العملية والذين يرون أن القوات المحلية السورية ستتمكن من دخول الرقّة بعد مرور 6 أشهر من أعمال تحضيرية تشمل تحديد القوى المشاركة في العملية وأدوارها وتدريبها وتوزيع الأسلحة، فضلاً عن قطع خطوط الإمداد عن مسلحي "داعش".
وفي ذات السياق أعلن المتحدث باسم البنتاغون "جيف دافيس" أن مسألة تحرير الرقّة ومن سينفذ العملية لا تزال قيد النقاش، مضيفاً أن بلاده ستواصل دراسة الموضوع مع شركائها في التحالف الدولي.
والسؤال المطروح: ماذا ستفعل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب"دونالد ترامب" بعد دخول البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل حيال قضية الرقّة التي يعتقد معظم المراقبين بأن إستعادتها من "داعش" ستستغرق وقتاً طويلاً في حال كانت واشنطن جادة فعلاً في حسم هذا الموضوع؟
الإجابة عن هذا التساؤل تطرح عدّة فرضيات وسيناريوهات بينها إن إدارة ترامب ومستشاريه العسكريين قد يستعينون بروسيا لاستعادة الرقّة من "داعش"، خصوصاً وإن ترامب كان قد أشاد بموقف موسكو في محاربة الجماعات الإرهابية في سوريا. وهذا السيناريو باعتقاد المراقبين سوف لن يواجه الاعتراض من قبل تركيا شريطة أن لا تشارك القوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في هذه العمليات التي حملت اسم "غضب الفرات" لأن هذا الحزب باعتقاد أنقرة يمثل إمتداداً لحزب العمال الكردستاني"ب. ك. ك" المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا. كما إنّ قبول روسيا بمثل هذا العرض ليس مستبعداً لاسيّما بعد المؤشرات الكثيرة التي ظهرت في تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية والتي تدلل على أن إدارته القادمة ستقيم علاقات مميزة مع موسكو.
وتجدر الإشارة إلى أن المتحدث العسكري باسم ما يعرف بـ "قوات سوريا الديموقراطية" التي تهيمن عليه وحدات حماية الشعب الكردية "طلال سلو" كان أعلن في وقت سابق عن وجود إتفاق مع "التحالف الدولي" الذي تقوده أمريكا على إستبعاد أي دور لتركيا والفصائل السورية المتحالفة معها في معركة الرقّة.
ويعتقد بعض المحللين بأن هذا الاتفاق نابع في الحقيقة من تجارب السنوات الماضية التي أثبتت أن أنقرة كانت حليفة لـ "داعش"، في حين يرى آخرون بأن تركيا أعطت الأولوية في هذه المرحلة لإبعاد مقاتلي (وحدات حماية الشعب) الكردية من بلدة "منبج" في إطار عملية "درع الفرات"، وذلك من خلال دعم الجماعات المسلحة الموالية لها للتقدم نحو مدينة الباب بريف حلب الشرقي شمالي سوريا، وهو ما أشار إليه أيضاً في وقت سابق رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدريم". وتحظى مدينة الباب بأهمية عسكرية إستراتيجية، فضلاً عن كونها مركزاً إقتصادياً مهماً لوقوعها على تقاطع طریق رئيسي في المنطقة الواقعة إلى الشمال من حلب.