الوقت- في ظل الحديث عن أن مدينة الباب السورية قد تكون وجهة المعارك المقبلة، لا بد من الوقوف عند العديد من الحقائق والتي ظهرت في الأيام الأخيرة، لما لها من دور قد تلعبه فيما ستؤول له الأمور هناك. فالمعركة يبدو أنها معقدة، خصوصاً في ظل مخاطر الدور التركي، والصراع الميداني بين المجموعات الإرهابية المسلحة والموزعة في تبعيتها على الطرفين الأمريكي والتركي. في حين يظهر موقف الجيش السوري واضحاً، تجاه المدينة، واعتباره أنها تقع تحت حساباته العسكرية، خصوصاً وأنه يتوجه في المرحلة الحالية لرسم تفاصيل جبهات مدينة حلب ومحيطها بدراسة، بعد تعزيزه طوق المدينة. أما بالنسبة للأكراد، فهم غائبون عن المشهد مرحلياً، في ظل عدم وجود أي تأييدٍ دوليٍ (أمريكي) حاليٍا لهم. أمام هذه الحقائق، تترنَّح معركة مدينة الباب. فكيف يخضع الدور التركي لتطورات الميدان؟ وما هي خفايا الصراع التركي الأمريكي الذي أبرزته التطورات الأخيرة؟
الدور التركي: خضوعٌ لتطورات الميدان
يمكن القول أن تركيا باتت تمتلك قوة أساسية فيما يخص معركة المدينة، حيث تنضوي تحت قيادتها اليوم، العديد من فصائل المجموعات الإرهابية المسلّحة، وتحديداً "أحرار الشام"، كما انضمت اليها بعض المجموعات التي كانت محسوبة على الطرف الأمريكي، بعد صراعٍ دامي بين المسلحين خلال الأسبوع الماضي. وهنا نُشير للتالي:
- استطاع الأتراك عبر مسلحي "درع الفرات" وتغطيتهم عبر القوات العسكرية الجوية، من تحقيق ما يُسمى بالأسبقية الميدانية، خصوصاً مع وصول قواتهم إلى نحو مسافة كيلومترين من أطراف المدينة شمالاً. لكن هذا التقدم التركي والذي توقف لما يقارب الأسبوعين، حصل حينها نتيجة ضوء أخضر أمريكي. ليعود الطرف التركي منذ يومين لممارسة نفس الدور، عبر قصف سلاحه الجوي مواقع في عمق ريف حلب الشمالي، وداخل مدينة الباب.
- على الرغم من ذلك رجَّحت بعض المصادر وجود ترددٍ تركي في الإستمرار بالتقدم، نتيجة تطورات الميدان العسكرية، والتي أظهرت الجيش السوري على أنه يأخذ مسألة التقدم التركي نحو مدينة الباب ضمن حساباته، وهو ما يتقاطع مع معلومات ميدانية تفيد بحشد تعزيزات في محيط المدينة الجنوبي. مما يجعل أنقرة حريصة على عدم وقوع حادث مع قوات الجيش السوري، بحسب معلومات حصلت عليها جريدة الأخبار اللبنانية.
- أمام كل ذلك، يبدو واضحاً أن حسابات الطرف التركي تبقى خاضعة لتطورات الميدان. خصوصاً أمام جدية الجيش السوري، والحذر من حزم الموقف الروسي، في ظل عدم وضوح الموقف الأمريكي والذي بات مسلحوه يتقاتلون فيما بينهم، مما دفع بعضهم للإنضمام لقوات "أحرار الشام" التابعة لتركيا منذ أيام، والتي أصبحت تُسيطر على جميع المعابر الحدودية مع تركيا في الشمال السوري.
الخلافات بين المجموعات الإرهابية: صراع أمريكي - تركي على النفوذ الميداني!
قامت "أحرار الشام" فجر أمس الإثنين بمُشاركة بعض الفصائل الأخرى بالهجوم على مواقع ومراكز "الجبهة الشامية" في مدينة أعزاز. وأضفت الشرعية على هجومها من خلال تشكيلها لما يُسمى بـ "غرفة عمليات نصرة المظلوم"، معتبرة أن "الجبهة الشامية" وبعض الفصائل باتوا من الأعداء. وهنا فإن عدة مسائل يمكن طرحها عند الحديث عن خفايا الصراع الأمريكي التركي والذي عبَّرت عنه الحرب المشتعلة بين المجموعات الإرهابية منذ أسبوع تقريباً. وهو ما يمكن سرد بعض وقائعه بالتالي:
- لا شك أن "أحرار الشام" فاجأت جميع الفصائل المسلحة بهجومٍ شنته ضد "الجبهة الشامية". فالجميع يعرف أن كلا الفصيلين المُتصارعين يُقاتلان ضمن قوات "درع الفرات" التي تُعتبر الذراع التركي اليوم في الميدان السوري الشمالي، والتي ستتولّى القيام بالمهام العسكرية الميدانية في معركة مدينة الباب. وهو ما أثار استغراب المراقبين. في حين لم يكن هذا الهجوم الأول من نوعه.
- جاء هذا الهجوم ليكون الثاني من نوعه بين المسلحين، بعد خلاف الأسبوع الماضي والذي حصل بين جماعة "فاستقم" وجماعة "نور الدين الزنكي" في أحياء حلب الشرقية قبل ساعات من انطلاق ما سُمي بـ"ملحمة حلب الكبرى".
وحول حقيقة الصراع لناحية أسبابه، فيمكن الإشارة لما يلي:
- إن الصراع بين الفصائل الإرهابية في مدينة أعزاز، يُبرز الفراغ الذي أوجده انهماك الطرف الأمريكي بملفاته الداخلية في ظل المرحلة الإنتقالية بعد الإنتخابات الرئاسية. وهو ما أكد وجود تعارضٍ بين المصالح التركية والأمريكية، انعكس على وضع المجموعات الإرهابية التي تعيش مرحلةً صعبة نتيجة تطورات الميدان السوري لصالح النظام.
- الأمر ذاته يُثبت وجود أزمات مالية وتمويلية تعيشها هذه المجموعات، والتي باتت رهن الحسابات التركية الخاصة والتخاذل الأمريكي تجاهها. خصوصاً أن الخلاف الأساسي بين الفصائل حول حاجز "الدوّار" في أعزاز والذي يُعرف بـ "حاجز الذهب"، يعود لكون هذا المعبر يدرّ أموالاً طائلة تُقدّر بمئات آلاف الدولارات أسبوعياً على الطرف الذي يتحكم به.
إذن، قد يعتبر البعض أن التقاتل الحاصل بين المجموعات، هو بمثابة رسالة تركية للمعنيين، بأن تركيا هي الطرف الذي يُمسك بالمجموعات الإرهابية في الميدان السوري الشمالي. وهو الأمر الذي تُفكر فيه تركيا من أجل إمساكها بأوراق ميدانية. في حين يرى البعض أن أنقرة تسعى لتوجيه رسائل لأمريكا، خصوصاً بعد ما سربته صحيفة "تايم ترك" التركية عن "ابو يحي الحموي" قائد "أحرار الشام" والذي اتهم في حديثه واشنطن بسعيها لعرقلة عمليات "درع الفرات". كل ذلك يجعل الحديث عن معركة مدينة الباب، رهن التطورات الميدانية المقبلة. في وقتٍ باتت مصالح حلفاء الأمس، أقرب الى الإنهيار. فتركيا وأمريكا لم تعد تتعامل مع الواقع السوري من نفس المنطلق. حيث أن تركيا تحذو لتثبيت أوراقٍ ميدانية لها، قد تُمكنها من إبعاد خطر غياب دورها عن أي مرحلة مستقبلية مفصلية قد تشهدها سوريا. في حين أن واشنطن تغرق حالياً بأزماتٍ خاصة، دون غيابها عن تطورات الميدان ولو كرقيب. أما الجماعات الإرهابية فإنها ستنتهي عبر صراعاتها الداخلية. لنقول أن معركة مدينة الباب السورية ما تزال تترنَّح بين صراع الجماعات الإرهابية وتطورات الميدان السوري!