الوقت - على وقع الانتخابات الأمريكية التي سارت بدونالد ترامب نحو البيت الأبيض، يتوالى المشهد الفلسطيني فصولاً في مرحلة أخطر بكثير من تلك التي واجهتها فلسطين في مرحلة رحيل الرئيس ياسر عرفات.
المرحلة الجديد، وفق مراقبين، هي مرحلة حرجة وصعبة للغاية، سواءً بسبب الوضع الداخلي المتأزم بشقّيه الفلسطيني والإسرائيلي، أو على الصعيد الخارجي حيث يُعد الجانب "الإسرائيلي" الرابح والمستفيد من فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية، وفق، فتحي القرعاوي، النائب في المجلس التشريعي، الذي أكّد أن ترامب سيدعم كل مخططات الكيان الإسرائيلي العنصرية والتهويدية والاستيطانية.
على الصعيد الداخلي، تكشف المطالعة السريعة للموقف الإسرائيلي تجاه الرئيس محمود عباس حجم الفجوة القائمة بين الشقّين السياسي والعسكري، ففي حين يهاجم رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه أفيغدرو ليبرمان محمود عباس، نرى أن العديد من الجهات العسكرية تثني على مواقف عبّاس، وليس آخرها الإستخبارات الإسرائيلية التي وصفته بـ"محارب الإرهاب".
السلطات الإسرائيلية لم تقف مكتوفة الأيدي حيال الواقع الفلسطيني الداخلي، فبعد إطلاق الجهات الإسرائيلية الرسمية، أو الإعلام الإسرائيلي في العامين الماضيين، سيناريوهات مختلفة حول اليوم الذي يلي اعتزال رئيس السلطة الفلسطينية، ها هي اليوم الاستخبارات الإسرائيلية تمدح عباس حيث أبلغ رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، العقيد درور شالوم، أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، بأن "ما سأقوله قد لا يعجب بعضكم هنا، لكن يوجد زعيم منذ عام 2004، هو أبو مازن، الذي صدّر الهدوء وعارض الإرهاب. ويوجد أساس للتوصل إلى تسوية سياسية".
لم يكن تصريح شالوم يتيماً، فقد نبّه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي اللواء هارتسي عهليفي في تصريح له قبل عشرة أشهر، نبّه نتنياهو حول أهمية عباس، داعياً إيّاه للتفاوض بجدية مع أبو مازن. وهذا الأمر إن دلّ على شيء فإنما يدل على رأي أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية التي تحتل مكانة وأهمية كبيرة في البنية الإسرائيلية، لاسيّما في ظل ما تقدمه من معلومات وتقديرات استخبارية إستراتيجية في عملية صنع القرارات وفي توجيه سياستها الداخلية والخارجية على حد سواء.
الخلاف في الرأي هنا بين نتنياهو والإستخبارات ليس إختلافاً، فالأول يريد تحقيق الأمن والاستقرار، وبالتالي يقدّم رؤية المؤسسة العسكرية المتواجدة على تماس مع عباس في الضفة الغربية والتي ترى أن أبو مازن محل استقرار بالنسبة له، وهو شريك حقيقي في عملية التسوية، في حين أن تصريحات نتنياهو ووزير حربه، كحال تصريحات شارون وبيريز، بأن عباس ليس شريكًا للسلام تهدف لتوجيه رسالة للغرب بأن لا قيادة فلسطينية للمضي بمفاوضات السلام التي قد تلزم الكيان الإسرائيلي بقرارات غير مشجّعة، ولعل حدّة هذه اللهجة الإسرائيلية سترتفع مع وصول ترامب الذي وعد بنقل العاصمة إلى القدس، خلافاً لقرار "اليونيسكو". وبالفعل فقد توغلت عدة آليات عسكرية "إسرائيلية"، صباح الأربعاء، في أراضي المواطنين شرق مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، في حين أن مسؤول لجنة الخارجية والامن بالكنيست آفي ديختر قال: إن "إسرائيل" تتوقع انهيار السلطة الفلسطينية بعد غياب رئيسها محمود عباس، مما جعلها تستعد لإعادة السيطرة على مناطق الضفة الغربية المحتلة وإدارتها بشكل مباشر".
ديختر، حاول اللعب على الوتر الفلسطيني في تصريحاته قائلاً إن "إسرائيل ستسيطر مجدداً على مناطق السلطة الفلسطينية خوفاً من سقوطها تحت سيطرة حركة حماس"، خشية أن تلجأ قطاعات واسعة من حركة فتح للانضواء في إطار العمل المسلح، وفق ديختر.
وأما فيما يتعلّق باحتلال الضفة، فالوضع الفلسطيني يسير نحو الغليان، سواء رحل عباس أم بقي، والسبب في ذلك يعود للدعم الأمريكي. فلا نستبعد أن تعمد السلطات الإسرائيلية إلى افتعال عملية أسر أو أي عملية أخرى في الضفّة بغية احتلالها بشكل كامل، كخطوة أولى للسير بمشروع القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وربّما تطال نيران الغدر الإسرائيلي قطاع غزّة عبر عدوان جديد يدعمه الرئيس الأمريكي في الأروقة الدوليّة، لاسيّما أن وزارة الدفاع يحكمها يميني متطرّف كليبرمان، والبيت الأبيض كذلك، كما أن قيادة الأركان الجديدة خبيرة في حرب العصابات بما في ذلك نائب رئيس هيئة الأركان الجديد أفيف كوخافي.