الوقت- جاء قرار البنك المركزي المصري والقاضي بتعويم الجنيه، ليزيد الوضع الاقتصادي المصري ضبابية كبيرة، وسط توقعات بأن يصل سعر الدولار إلى 18 جنيه، مما خلق حالة من الفوضى والارتباك في الشارع المصري، في وقت ذهب بعض المصريين لتحميل السعودية والإمارات وسياستهما الابتزازية ضد مصر السبب الرئيس للتدهور الحاصل، في ظل رفض القاهرة للابتزاز المالي الذي تمارسه عليها كل من الرياض وأبوظبي من أجل انتزاع مواقف إقليمية ضد رغبة الشارع المصري.
مفهوم تعويم الجنيه
كان البنك المركزي المصري قبل قرار التعويم، يعمل على إدارة سعر الصرف باستخدام أدوات من بينها عطاءات دورية لبيع الدولار للبنوك يتم من خلالها ضبط سعر الصرف، لكن بعد التعويم تخلى البنك المركزي عن هذه السياسة وترك تحديد سعر العملة لقوى العرض والطلب في السوق.
أسباب دفعت مصر لتعويم عملتها:
أسباب اقتصادية ودور صندوق النقد الدولي:
عانت مصر على مدار السنوات الثلاث الماضية، نتيجة الوضع الاقتصادي والأمني الغير مستقر، من حالة من الضبابية حول سعر الصرف، ومورست المضاربة على الدولار بشكل كبير، كما اتجه أصحاب المدخرات في مصر إلى ظاهرة "التعويم"لحماية مدخراتهم من الانهيار.
التعويم الذي تبنته القيادة المصرية قبل أيام جاء على ما يبدو ليلبي حزمة التسهيلات الائتمانية من صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات الدولية الأخرى، وهو ما بدى واضحاً مع تصريح مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاجارد، بأن تعويم الجنيه المصري بالـ "خطوة المرحب بها"، مشيرة إلى أنها تظهر تدارس السلطات المصرية للأمر بعناية.
وكذلك تسعى مصر لمحاولة إغراء حائزي الدولار لبيعه لصالح الجهاز المصرفي وشركات الصرافة، حتى يتسنى للبنك المركزي إعادة بناء الاحتياطي النقدي من موارد ذاتية، وتحقيق حالة من الاستقرار في سوق الصرف.
أسباب سياسية ودور الابتزاز السعودي:
أما على الصعيد السياسي، فقط ظهر قرار "تعويم الجنيه" كردة فعل من القاهرة على السياسية الابتزازية التي تمارسها (آلإمارات والسعودية) مع مصر، (اي المال والنفط مقابل التماهي في السياسية السعودية والإماراتية في المنطقة إلى أبعد مستوى)، وفشلت المساعدات المالية والنفطية الضخمة(40 مليار دولار، نصيب السعودية منها حوالي 30 مليار، وهناك من يقول انها اكثر وتصل إلى خمسين مليار)، في اثارات لعاب القيادة المصرية للتمازج بشكل كامل مع السياسية السعودية وتبني موقف الرياض، لاسيما في سوريا واليمن ومحاولة المملكة النفطية المستميتة لاسقاط النظام السوري، وتوجيه البندقية المصرية ايضاً اتجاه الشعب اليمني، من خلال زج الجيش المصري في عدوانها المتواصل على اليمن منذ 19 شهراً.
كذلك سعت مصر خلال عهد الرئيس عبد الفتاح السياسي للتأكيد على استقلالية قرارها السياسي، ورفضت في الوقت ذاته الرشوة السعودية الرامية إلى خلق علاقات متوترة بين مصر وايران، بل ذهبت القيادة المصرية إلى أبعد من ذلك تبنيها حوارا متسارعا بينها وبين طهران وبرعاية عراقية لإعادة العلاقات البدلوماسية بين الجانبين، وكان لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره الايراني محمد جواد ظريف قبل أسابيع في نيويورك علاى هامش اجتماعات الأمم المتحدة باكورة هذه المساعي، خاصة أن هذا اللقاء تم دون أن يعقد لقاء مماثل بن شكري نظيره السعودي عادل الجبير الذي كان متواجداً في المكان ذاته.
إلى ذلك أدى تصويت مصر لصالح مشروع روسي ( لا يتوافق مع الأجندات السعودية) في مجلس الأمن حول سوريا، الشعرة التي قصمت ظهر البعير، واستعرت الحرب الاعلامية بين القاهرة والرياض، مما أدى إلى قطع المساعدات السعودية، وان سعت الرياض لتمييع ذلك في الاعلام عن طريق الحديث عن هبة وقروض لمصر بقيت كلام في الهواء.
وجاءت زيارة وزير البترول المصري طارق الملا إلى إيران، الأحد،(كأول مسؤول حكومي بهذا الحجم يزور طهران منذ 37 عام) في محاولة لإبرام اتفاقيات نفطية جديدة بعد تعليق السعودية اتفاقاتها النفطية مع القاهرة الشهر الماضي كدليل جديد على عمق الشرخ المصري السعودي وتوجه القيادة المصرية نحو طهران لترسيخ التعاون بين الجانبيين على كافة الصعد، بعد تطور العلاقات السياسية نتيجة التقارب الايراني والمصري اتجاه القضية السورية واليمني.
وأتى قرار شركة "أرامكو" النفطية السعودية قطع امداداتها البترولية عن مصر للشهر الثاني على التوالي، في آلإطار ذاته، فعلى الرغم من أن قرار التعويم حديث (يوم الخميس الماضي) ويلقي بظلاله السلبية على كاهل المواطن المصري، لم تقم المملكة النفطية بأي عمل يخفف ذلك الوضع الاقتصادي المتردي بل زادت عليها بقرار قطع المشتقات النفطية عن مصر، و بعد انوقعت مصر اتفاق مع السعودية لتمويل احتياجاتها البترولية لمدة 5 سنوات، تنصلت أرامكو من الاتفاق، وهو ما أدى لارتفاع أسعار المواد البترولية في مصر بشكل كبير.
تسعى القيادة المصرية للتأكيد على انها عصية على الريال السعودي "حتى الآن"، وفي هذا السياق جاء قرار محكمة مصرية أمس تبرئة 52 متهما من المحتجين على اتفاقية تعيين الحدود مع السعودية، "المعروفة بقضية جزيرتي تيران وصنافير" في رسالة مصرية على ما يبدو للملكة النفطية تقول فيها أنه "لا بيع ولا ابتزاز عندما يتلعق الأمر بمواقف قومية ووطنية ثابتة".
اذاً كان قرار مصر واضح لا نقبل ابتزاز من أحد وخياراتنا المستقلة نحن من نتحمل نتائجها الاقتصادية و"ألف كلمة فقير ولا يقولوا المصري خان مبادئه يا صاحب السمو الملكي".