الوقت- في تطور غير مسبوق، يكشف عن النوايا التركية التي انتقلت من السر إلى المجاهرة، نشرت وزارة التربية التركية نشرت خارطة جديدة لتركيا وقامت بتوزيعها على طلاب المدارس الابتدائية في مدينة اسطنبول، تضم مناطق واسعة من سوريا والعراق.
وأعدت وزارة التربية التركية خارطة "جديدة لتركيا" ووزعتها على طلبة المدارس الابتدائية في اسطنبول، واللافت للأمر أن هذه الخارطة تضم ثلت اراضي العراق تقريبا (ولاية الموصل) بالعهد العثماني، بالإضافة إلى مدينة حلب والجزيرة السورية، والتي كانت تعرف ايضاً بولاية حلب.
كذلك تشمل الخريطة التركية "الرسمية" الجديدة أجزاء من جورجيا وأذربيجان وقبرص بالإضافة إلى عدد من الجزر اليونانية في البحر الأبيض المتوسط.
وتظهر الخريطة الجديدة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد ضم مدن عراقية وسوريا إلى بلاده، وهو ما عبر عنه أردوغان خطاباته المتكررة التي تحدث فيها عن مصلحة بلاده في مصير الأقليات الأتراك الذين يعيشون خارج هذه الحدود، مؤكدا على المطالبات التاريخية لمدينة الموصل العراقية، التي تقع بالقرب من تركيا.
وتستخدم تركيا ذريعة جديدة لتبرير مشاريعها التوسعية وهي "حماية المسلمين السنة" و"حماية الأخوة التركمان"، وهي ذريعة عادةً ما يستخدمها النظام التركي لتبرير التدخل في شؤون سوريا والعراق وقبرص إضافة إلى عدد من دول الجوار لتركيا. وومنها اقامت قاعدة عسكرية صغيرة بالقرب من الموصل في الفترة الماضي بالتزامن مع استمرار الطائرات التركية في قصف القوات الكردية في سوريا والانخراط في معارك وهمية مع الطائرات اليونانية فوق بحر ايجه.
قراءة في الأهداف والوسائل:
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحالم بالامبراطورية العثمانية المنحدرة من جلابيب الخلافة الاسلامية والقومية يعلن وبالفم الملئان نوايها التوسعية، فكيف كانت الوسائل التي مهدت لهذا النتيجة؟
1- تؤكد الخريطة التركية الجديدة من جديد الحقائق بوجود نوايا استعمارية توسعية، للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وجه الخصوص، ربما لاتقل خطورة عن الأطماع التوسعية الاسرائيلية، مع التذرع هذه المرة بستار خدمة الإسلام والمسلمين، و"السنة منهم".
2-كذلك يستغل النظام التركي ذريعة القضاء على تنظيم داعش الارهابي كتوظيف لإعادة رسم حدود المنطقة العربية على أسس طائفية وعرقية جديدة، وهذا ما يلاحظ جلياً بخطابات أردوغان التي لاتخلو من مصطلحات "حماية الأخوة التركمان" ، "حماية أهل السنة"، و"حماية الاقليات".
3-يجاهر النظام التركي وعلى وجه الخصوص رجب طيب اردوغان برفضه لمعاهدة لوزان، التي رسمت حدود تركيا الحديثة، ويعتبر أن تلك الاتفاقية جعلت حدود بلاده صغيرة جدا.
4-تعمل الحكومة التركية وعلى مدى القرن الماضي، على ورقة الأقليات التركمانية، ونجت في لعب هذه الورقة حتى الآن على الأقل قبرص، حيث تمكن الغزو العسكري التركي في 20 يوليو1974 وحتى شهر أب من نفس العام، من فرض سلطة أمر واقع في جزيرة قبرص، واقتطع جزءاً من الجزيزة مع بداية الحرب (20 يوليو عام 1974)، وسقوط المجلس العسكري اليوناني في أثينا بعدها بثلاثة أيام، وإعلان استقلال جهمورية شمال قبرص التركية على الجزء المحتل من شمال قبرص في 15 نوفمبر من عام 1983.
5-تلعب تركيا دوراً مماثلا في العراق بعد عام 2014 وسقوط أجزاء واسعة من شمال العراق بأيدي ارهابيي داعشى ولكن هذه المرة المعزوفة ذو ايقاعين، أول عرقي (حماية التركمان) وأخر طائفي (حماية السنة) حيث ارسلت ألفي جندي تركي إلى قاعدة بعشيقه قرب الموصل، وتدعي تدريب اكثر من 5000 مقاتل سني من اهل الموصل بذريعة محاربة داعش، تحت اسم قوات حماية نينوي بزعامة اثيل النجيفي، محافظها السابق، الذي هرب من المدينة وتركها تسقط بيد التنظيم الارهابي، وتصاعد الصراع بين أنقرة وبغداد حول دور تركيا في معركة تحرير الموصل وسط مخاوف جدية تشعر بها الحكومة العراقية من المطامع التركية في البلاد، وتجلى ذلك في تلاسن حاد في مناسبتين منفصلتين، بين الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي
6-يستخدم أردوغان في معزوفته الثانية السكان التركمان ( ذات أصول تركية) الذين يعيشون حول الموصل والمنطقة المحيطة بها كورقة للهيمنة والتوسع في العراق حيث تعمل القوات الخاصة التركية مع الجبهة التركمانية العراقية منذ عام 2003 على الأقل من أجل توسيع النفوذ التركي ومواجهة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
7-سعى النظام التركي منذ بداية الأزمة السورية إلى انشاء عدة فصائل ارهابية مرتبطة ارتباطاً كلياً أنقرة ومنها على سبيل المثال " نور الدين زنكي"، كتيبة "السلطان مراد"... وحاربت هذه التنظيمات (والمشكلة من أفراد تدين بالولاء والتبيعية لتركيا وترفع العلم التركي بشكل رسمي)، الجيش السوري في عدة مناطق سوريا، وعند بدأ معركة درع الفرات التي يشنها الجيش التركي شمال سوريا، انسحبت هذه المليشيات من جميع مناطق القتال للانخراط في العملية التركية الجديدة، في تأكيد واضح على طبيعة الهوى والهوية لتلك الجماعات الارهابية.
8-تحّن القيادة التركية إلى تكرار سيناريو سلخ لواء اسكندورنة العربي السوري عن وطنه الأم سوريا، والذي حصل في عام 1939 حيث استغلت تركيا ظروف التحضير للحرب العالمية الثانية، واقدمت على ضم لواء اسكندورنة اليها بعد أن هجرت مئات الآلاف من سكانه الأصليين (العرب السوريين) وأطلقت عليه اسم هاتاي.
9-لطالما شكلت حلب، اكبر طموحات العثمانيين الجددد، فالديبلوماسيون الأتراك ماتوقفوا يتحدثون وبالعلن أن حلب ستبقى هدف لتكون الولاية الحادية عشرة لترکيا، ويكفي استذكار انه ومع تشغيل خط طيران من أنقرة إلى حلب (قبل الحرب) كانت خرائط رحلة الطائرة التوضيحية تشير إلى حلب المحطة الاستثنائية الوحيدة خارج البلاد بذات الطريقة التي تشير بها إلى غازي عنتاب واسطنبول وأضنة وغيرها، لاستخلاص العبر.
10-تكشف الخرائط التركية الجديدة عن استمرار نزعة القومية التركية، وهو عنصر طويل الأمد في فن الحكم في أنقرة يستخدم الدين والتدخلات العسكرية لتعزيز صورة وردية لاحلام الأمبراطورية وكان سابقا بشكل إشارة، اما الآن أصبح واقعاً بطبيعة الحال، بعد التدخلات العسكرية ولغة المواجهة التي تنتهجها الحكومة التركية في ظل الحديث عن المكانة الإقليمية لتركيا.
اذا اظهرت تركيا هذه المرة وبشكل علني نواياها الاستعمارية ونيتها ابتلاع الأراضي العربية مستغلة حالة الفوضى والتشرذم التي يعيشها الواقع العربي الراهن، بالإضافة إلى "ضعف" السيادة السورية والعراقية في شمال البلدين بحكم انشغالهما بحرب ضروس ضد الجماعات الارهابية خلال الاعوام السابقة، فكيف سيكون موقف الكثير من العرب الذين طبلوا وزمروا لـ"فارس السنة" و موقف المدافعين عن أردوغان من هذه النوايا؟.