الوقت- بعد ان صرح وزير الخارجية الامريكي جون كيري يوم الاحد الماضي في لندن ان العواصم الغربية لا تدعم اي تحرك عسكري ضد بشار الأسد وحلفائه في سوريا ولاتمتلك في جعبتها الا الخيار الدبلوماسي، اتضح ان المسؤولين الغربيين اختاروا التعايش مع الواقع على الارض بعد مضي 5 سنوات من بدء الحرب السورية و ليس أمامهم الا التراجع على المستوى السياسي وان أولى الخطوات الجدية لهذا التراجع بدأت بالتزامن مع اجتماع لوزان الذي شاركت فيها دول معادية لسوريا ودول حليفة معها.
و يعتقد الخبراء ان محور المقاومة ليست منزعجة مما جرى في لوزان لأن هذا المحور أدار المفاوضات بطريقة جعلت الطرف الآخر يدرك بان الواقع السياسي ليس بعيدا عن الواقع الميداني كثيرا وان الحماة الدوليين للإرهاب والتكفير أصبحوا محاصرين تماما كما حوصر التكفيريون في شرق ووسط حلب ولذلك يجب على هؤلاء الرضوخ لإرادة محور المقاومة.
وتعتبر حلب ثاني أكبر المدن السورية وكانت تعرف بالعاصمة الإقتصادية للبلاد قبل الأزمة، ان المعركة الجارية للإستيلاء على حلب لها أهمية كبرى على صعيد الحرب السورية برمتها فمن يسيطر على حلب بالكامل يمكن له ان يعتبر نفسه المنتصر النهائي للحرب، وكانت معركة حلب التي تسمى بأم المعارك قد وصلت الى الطريق المسدود قبل دخول الروس لهذه المعركة حيث سيطرت الحكومة على معظم المناطق الغربية وسيطر المسلحون على المناطق الشرقية.
وبعد دخول الروس بشكل مباشر في الحرب السورية حدث أمران لصالح الحكومة السورية، الاول كسر حصار مدينتي نبل والزهراء بدعم من الطيران الروسي ومن ثم فرض طوق على مناطق إنتشار المسلحين في غرب حلب، وبعد هذه الانجازات التي اعتبرت نقطة تحول مصيري في الحرب السورية فضل حلفاء دمشق اقناع الدول الغربية والإقليمية بإنهاء الحرب عبر الطرق الدبلوماسية.
لكن المسلحين كانوا يسيطرون على المناطق الشرقية وشمال الشرقية لحلب والمتصلة بالحدود التركية، وحماتهم الأجانب ايضا لم يكونوا مقتنعين بعد بضرورة إيقاف دعمهم للمسلحين ولذلك وضع الجيش السوري وحلفائه محاصرة المناطق الشرقية لحلب على جدول أعمالهم وفي شهر يوليو 2016 أي حوالي 5 أشهر من فك الحصار عن نبل والزهراء استطاع الجيش السوري السيطرة على طريق كاستيلو المعروف واكمال الطوق على مناطق المسلحين في شرق حلب بالكامل.
ولم ينجح المسلحون في فك الطوق فقط بل بادر الجيش السوري الى شن هجوم عنيف ضدهم بعد ان نقضت أمريكا عهودها أثناء الهدنة التي استمرت 7 أيام في سوريا.
ان تقارير وتصريحات المراقبين وحتى المسؤولين الامريكيين تؤكد ان سقوط المناطق الشرقية لحلب هو أمر حتمي ولن يستغرق الامر سوى بضعة أسابيع وهذا يعتبر بمثابة اطلاق رصاصة الرحمة على مشروع اسقاط الحكومة السورية وهذا من الصعب ان تقبل به الدول الغربية ولذلك بادرت هذه الدول خلال الأسابيع الـ 3 الماضية الى ممارسة ضغط دبلوماسي وإعلامي على روسيا ومحور المقاومة لوقف الهجوم وحينما رأوا ان حلفاء دمشق مستمرين في تقدمهم ودحر القاعدة من حلب إمتعضوا وحذروا بأن الخيار العسكري ضد الجيش السوري هو على جدول اعمالهم.
لكن هذه التهديدات والخطوات الأمريكية جاءت بنتيجة عكسية فالروس نشروا على الفور أنظمة صاروخية دفاعية متطورة وحديثة في سوريا وحذروا الأمريكيين من أية مغامرة وزادوا في نفس الوقت من وتيرة هجماتهم على المسلحين المدعومين من الغرب ليظهروا جديتهم في دعم الحكومة السورية وتحطيم الإرهاب.
ان الرئيس الأمريكي باراك اوباما سيغادر البيت الأبيض بعد أقل من 3 أشهر وكما تقول وسائل الإعلام الامريكية فإنه غير راغب ابدا في تغيير نهجه والدخول مباشرة في حرب ضد اي بلد من بلدان المنطقة، لكن حتى اذا أراد أوباما شن عملية عسكرية في سوريا فإن المراقبين يشككون في نجاح مثل هذه الخطوة الا اذا تحولت الى حرب عالمية ثانية.
واذا وضعنا الصواريخ المتطورة الدفاعية الروسية المنشورة في سوريا جانبا فالأمريكان لازالوا يواجهون تحديات كبيرة في الملف السوري فمن جهة دخل حلفائهم الاتراك والاكراد في حرب في شمال سوريا ومن جهة بادرت "المعارضة المعتدلة" الى التحالف مع تنظيم القاعدة التي نفذت هجمات حتى في الدول الأوروبية التي يساورها القلق من إطالة عمر الأزمة السورية وكما قال جون كيري الأحد فإن العواصم الأوروبية أبدت دعما ضعيفا للخيار العسكري ضد سوريا.
ان كل هذه الأسباب بالإضافة الى الإستدارة الحاصلة في سياسات بعض القوى الإقليمية ومنها مصر وتركيا لصالح محور المقاومة خلال الأسابيع الماضية تسببت بإدراك الامريكان بأنهم فقدوا قدرتهم على التأثير على مجريات الأمور بل أصبحوا منعزلين وهذا ما كان تريد ايران وروسيا إفهامه للمسؤولين الأمريكيين في اجتماع لوزان ويبدو ان هذا قد تحقق.
وهكذا نجد كيري يقوم بشرح مخاطر اللجوء الى الخيار العسكري في سوريا بعد يوم واحد من اجتماع لوزان وذلك برفقة نظيره البريطاني في لندن وامام الصحفيين وقد اكد كيري على ضرورة إستخدام الادوات الدبلوماسية.
ان كلام الامريكيين الجديد هذا يأتي في وقت تقوم سوريا وحلفائها باستخدام الخيار العسكري على أحسن وجه لطرد القاعدة من حلب مؤكدين ان الطريق الوحيد لمكافحة الإرهاب هو الحل العسكري تماما كما يحصل في أي مكان آخر في العالم، وهكذا يبدو ان الغرب لم يجد أمامه طريقا آخر سوى الرضوخ لهذه الحقيقة والقبول بفشل مشاريعه ومخططاته في سوريا.