الوقت - لم يكن التوجه الأمريكي نحو مزيدٍ من التوتر مع الرياض عن عبث. فالحديث عن ضررٍ سيلحق بالأمن القومي الأمريكي، هو حديثٌ لا يزيد عن كونه وجهة نظر. بل إن العين الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط، ما تزال موجودة لكن بتوجهاتٍ جديدة. توجهات تدعم كافة المساعي الحقيقية والعلنية، للمزيد من التقارب بين الدول والكيان الإسرائيلي. وهو ما سيكون أحد أهم نتائج القانون الأمريكي بحق السعودية. فماذا في قانون جاستا والحديث الأمريكي حوله؟ وما هي تبعاته المباشرة؟ وكيف يمكن تحليل تبعاته الحقيقية والإستراتيجية؟
قانون جاستا والحديث الأمريكي حوله
قانون جاستا هو القانون الأمريكي "العدالة ضد رعاة الإرهاب". وهو القانون الذي سيؤثر على العلاقات الأمريكية السعودية لعدة أسباب أهمها أن هذا القانون يُتيح مقاضاة السعودية من أسر ضحايا هجوم 11 أيلول على الرغم من عدم وجود أدلة تُدين السعودية أو تُثبت تورط حكومتها حتى الآن. وهو الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ليستخدم حق النقض الفيتو ضد جاستا، بسبب اعتباره ذلك خطراً على الأمن القومي الأمريكي.
وكان قد اقر الكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي قانون جاستا، بعد نقضه للفيتو الرئاسي. في حين خرجت الصحف الأمريكية وتحديداً "نيويورك تايمز"، لتتبنى وجهة نظر الرئيس أوباما معتبرة أن هذا القانون سيؤدي الى نتائج خطيرة يأتي في مقدمتها أنه سيقضي على العلاقة الأمريكية السعودية. فيما ستساند العديد من الدول العربية السعودية. كما أن للقانون تكلفة باهظة، ستدفعها أمريكا فيما يتعلق بمواطنيها ودبلوماسييها في الخارج.
جاستا وأهدافه الظرفية
إن للقانون الأمريكي عدداً من الأهداف الظرفية والمباشرة، سنشير لها بالتالي:
أولاً: يُقدّم القانون صورة جديدة عن العلاقة الأمريكية السعودية للرأي العام العالمي لا سيما الأمريكي والغربي. وهو ما يمكن إيجازه بأن السعودية باتت بعيون الأمريكيين الراعية الأولى للإرهاب في العالم، وهو الأمر الذي كان يقتصر على الإبتزاز اللسياسي في حين بات اليوم توجهاً إعلامياً أميريكياً سنجد نتائجه ستنعكس على الداخل الأمريكي كما الغربي.
ثانياً: إن المرحلة الحالية، ستكون عُرضة لإبتزاز متبادل بين الطرفين السعودي والأمريكي، في حين تُعتبر أموال السعودية في أمريكا والتي تُقدر بمئات مليارات الدولارات تحت تصرف الطرف الأمريكي القادر على حجزها تحت مُبررات التعويض لأهالي قتلى وأسر ضحايا 11 أيلول.
ثالثاً: وضَع القانون العلاقة الأمريكية السعودية في مرحلة خطيرة تتجاوز السياسة وتصل الى الإقتصاد. حيث أن المفاعيل القانونية لهذا القرار ستؤثر على التجارة بين السعودية والغرب الى جانب أمريكا. وهو ما سيُؤثر على الإقتصاد العالمي بشكل عام. في حين ستدخل معاملات السعودية التجارية مرحلة من الخطر خصوصاً لما ستعكسه التبعات القانونية على علاقاتها الثنائية مع أي طرف.
الأهداف الأمريكية الحقيقية
لا شك أن لهذا القانون آثاراً ونتائج غير مباشرة، لكنها تُعتبر حقيقة التوجه الأمريكي والسبب الأساسي لدفع العلاقة مع السعودية بهذا النحو. وهنا نُشير لهذه الأهداف والتي نعتبرها الأهداف الحقيقية بالتالي:
أولاً: هدفت واشنطن من إقرارها القانون الأمريكي منع الإبتزاز السعودي. خصوصاً أن الرياض لمَّحت لما أثار دهشة العديد من الخبراء، من إمكانية قيامها بسحب أموالها من البنوك والأسواق الأمريكية. وهو ما يعتبره الكثيرون خطراً وفِعلاً غير مدروس. في حين لا تقبل واشنطن أن تكون موضع إبتزاز أحد وتحديداً السعودية، مما دفعها لإقرار القانون، الأمر الذي يسمح لها بإدارة ملف أموال السعودية بالطريقة التي تراها مناسبة والتي لا نجد أنها ستخرج عن دائرة التوافق بين الطرفين. فالمسألة لا تتعلق فقط بالسياسة بل هناك تبعات إقتصادية لها على صعيد البلدين.
ثانياً: أثبت السلوك السعودي، إمكانية قيادته لتحالفٍ عربيٍ إسرائيلي يخدم السياسة الأمريكية ضد إيران وحلفائها وسياستهم المتعاظمة. ذلك على الرغم من وجود سخط لدى العديد من الدول العربية والخليجية من سياسة السعودية على الصعيد الإقليمي والدولي وطريقة تعاطيها وإدارتها للملفات. في حين بدأ التوجه السعودي العلني نحو تل أبيب وما لحقه من توجه بعض الدول العربية، ليبدأ مع التوتر في العلاقات الأمريكية السعودية نتيجة توقيع الغرب للإتفاق النووي مع طهران. لذلك وجدت واشنطن بأن دفع العلاقة للتوتر مع الرياض، بالإضافة الى أهدافه التكتيكية فهو يحمل هدفاً إستراتيجياً يتعلق بدفع العلاقة السعودية الإسرائيلية نحو مزيد من التقدم. وهو ما يبدو أنه سيحصل خصوصاً في ظل تطور العلاقة بين الطرفين وخروجها الى العلن.
ثالثاً: إلحاقاً بالهدف الثاني، فمن غير المنطقي أن تصل العلاقة بين أمريكا والسعودية الى مرحلة القطيعة. بل إننا نعتبر أنها تدخل مرحلة غير مُعتادة بين الطرفينلا أكثر. فالمراقب للسلوك الأمريكي يجد أن واشنطن لا تتعاطى مع حلفائها بمنطق الإرضاء، بل تتعاطى على أساس المصلحة. وهو ما حصل مع الكثير من الدول في المنطقة كالعراق أيام صدام حسين وليبيا، ويحصل اليوم مع كلٍ من السعودية وتركيا. لذلك فمن الضروري الإلتفات الى أن واشنطن تعتبر الرياض تابعاً لها، وتنظر للأمور من باب مصلحتها الإستراتيجية. وهنا فإن أمريكا تجد في توجه الرياض نحو تل أبيب، أمراً يجعلها في موقع يمتلك المزيد من الأوراق السياسية في ظل خساراتها العسكرية المتلاحقة في المنطقة.
رابعاً: إن مسألة إنشاء حلف عربي - إسرائيلي تقود السعودية فيه الأطراف العربية، هو من الأمور التي سيكون لها انعكاسات بنيوية على شكل السياسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط. وهو ما يعني أن هذه المسألة وبعد أن باتت بعيدة عن انتقاد العرب، بل باتت محط تأييد البعض، ستُصبح مجالاً للتنافس بين الدول العربية مما سيُدخل الجميع في مرحلة من التصارع حول هدف جديد وهو إرضاء الكيان الإسرائيلي خدمة للسياسة الأمريكية. ليكون المستفيد الأول الكيان الإسرائيلي فيما ستخسر حتما الأنظمة العربية.
خامساً: إن المساعي الأمريكي لا يعني نجاحها، خصوصاً في ظل وعي الشعوب العربية، والتي باتت بعيدة عن توجهات أنظمتها وتحديداً في مصر والسعودية. كما أن الخلافات العربية - العربية، سيكون لها دور في تحديد التوجهات والظروف الجديدة. خصوصاً أن المصالح بين الدول العربية لم تعد واحدة فيما تتركهم السياسة الأمريكية يتصارعون فيما بينهم. وهو ما يعني أن الأمور ستتجه نحو مزيدٍ من اللاإستقرار في المنطقة. في حين سيستمر محور المقاومة في تأمين متطلبات الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي والإستكبار الأمريكي. وهو ما يُعتبر الورقة الأقوى والتي ستُسقط الرهانات الأمريكية والمساعي السعودية العربية.
إذن لا شك أن القانون الأمريكي سينعكس سلباً على العلاقة الأمريكية السعودية. لكن الرياض لم تكن يوماً طرفاً فاعلاً تؤمن به أمريكا، بل كانت دوماً في خانة التابع للسياسة الأمريكية التي لا تؤمن بالحليف بل بالأداة. وهو ما يعني بشكل واضح، أن التوجه الأمريكي الحالي لم يكن دون دراسة، وإن توقَّف الكثيرون عند مفاعيله الإقتصادية، بل جاء نتيجة حاجة واشنطن لعلاقات أقوى بين تابعيها من العرب والكيان الإسرائيلي. كل ذلك في ظل مساعٍ لتنصيب تل أبيب كوجهةٍ جديدة لحلفاء واشنطن في المنطقة. لنقول أن "جاستا" ليس سوى قانون ابتزاز للرياض لدفعها نحو تل أبيب!