الوقت- تغيّر المشهد كثيراً في دول مجلس التعاون خلال العقد الأخير. فقد ألقت المواقف السعودية بظلالها على جيرانها من كافّة النواحي عسكرياً، سياسيّاً وإقتصادياً على حدّ سواء.
السعودية، ومن خلال سطوتها على مجلس التعاون، لقّنت عبر قطر بقيّة الدول درساً حقيقياً لكل دول تسعى للخروج عن طاعتها، إلا أن القراءة المعمّقة في المواقف الخليجية تكشف مصلحة هذه الدول من عدمها في الرضوخ للقرار السعودي.
الدرس القطري شكّل مفصلاً في التعاطي السعودي مع جيرانها، فالعداء السعودي لا ينحصر بإيران فحسب، بل حينما رفضت قطر الإستجابة للقرار السعودي وجدت نفسها أمام مقاطعة خليجية لكل من الإمارات والبحرين والكويت، الامر الذي أجبر الدوحة على الإنصياع لقرارات "الشقيقة الكبرى".
اليوم، وبعد مرور أكثر من 5 سنوات على الأزمات التي عصفت بالمنطقة، تغيّرت الأوضاع كثيراً، فرغم أن دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي بقيت بعيدة عن الأزمات نسبيّاً على صعيدها الداخلي، إلا أن رضوخها للقرار السعودي قد حمّلها الكثير وفي العديد من الملفات، أبرزها التالي.
أسعار النفط
تسبّب التعنّت السعودي في رفع مستوى إنتاجها من النفط إلى أكثر من 10 مليون برميل يوميّاً، بإنخفاض الأسعار إلى ما دون الـ30 دولار للبرميل، للمرّة الاولى منذ ديسمبر 2003. السعودية أرادت من خلال هذه الخطوة ضرب إيران وروسيا، إلا أنها تسبّبت بأضرار كبيرة للعديد من دول مجلس التعاون، فضلاً عنها وهذا ما يفسّر عرض السعودية "تقليص إنتاجها من النفط إذا وافقت منافستها إيران على تثبيت إنتاجها هذا العام بما يمثل حلا وسطا قبل المحادثات المقررة في الجزائر الأسبوع المقبل".
لا شك في أن أسعار النفط هذه ألقت بظلالها بشكل كبير على هذه الدول التي بدأت بسياسات تقشّفيّة، فعلى سبيل مثال لا الحصر، طبّقت الحكومة الكويتية سياسة تقشف صارمة، الأمر الذي دفع بالعديد من عمال الشركات النفطية في الكويت للإضراب الشامل. كذلك، تسبّب الهبوط النفطي، بسبب فائض الإنتاج السعودي، بخسائر تجاوزت الـ40 دولا للبرميل الواحد، فضلاً عن ترحيل مئات الآلاف من العمال العرب وغيرهم من دول مجلس التعاون. الشعب السعودي في مقدّمة الدول المتضرّرة أيضاً، فقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً اعتبرت فيه أن أسعار النفط المتدنية زادت من أعباء كلفة المعيشة السعوديين وقد أثّر التقشّف السعودي على الطبقة المتوسطة التي كانت بمعزل عن هذه الأعباء.
العلاقات الإقتصاديّة
لم تكن العلاقات الإقتصادية مع إيران بمنأى عما يحصل بين طهران والرياض، فبعد خفض التمثيل الدبلوماسي والمواقف العدائية التي صدرت عن بعض الدول الحليفة للسعودية، انخفضت العلاقات الإقتصادية بين هذه الدول وإيران. فالإمارات على سبيل المثال، وبعد أن ناهزت الصفقات التجارية بين إيران والإمارات 25 مليار دولار في 2011، انخفضت إلى أقل من 17 مليار في العام الماضي الأمر الذي يعود بالضرر على البلدين. رغم أن حاكم دبي قد أعلن في وقت سابق أن ما يدفع دبي في اتجاه علاقات طيبة مع إيران وتأييد الاتفاق النووي الإيراني هو "التجارة لا السياسة" ما يؤكد هذا الكلام وجود 8000 تاجر إيراني مسجل رسميًا في إمارة دبي، فضلاً عن نحو 400 ألف إيراني يديرون شبكة ضخمة من الأعمال.
الإرهاب
الإرهاب، الذي لطالما دعمته السعودية تحت مسميّات عدّة كان عنواناً بارزاً في السياسة السعودية تجاه إيران، حيث عملت الرياض على تأجيج الفتنة عبر أبواقها الأمر الذي تسبّب باستهداف المساجد في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية. لم يحط الإرهاب "السعودي" رحاله في السعودية فحسب، بل طال الإرهاب الكويت عندما أدى تفجير إنتحاري إلى استشهاد 27 وجرح 227 في مسجد الإمام الصادق في حي الصوابر في الكويت. في البحرين أيضاً، تسبّب انصياغ المنامة لقرار الرياض بعدم توجّه الاولى لمطالب شعبها، وإعطائه بعداً طائفياً ضيّقاً رغم سنوات على سلميّته. فنظام "آل خليفة" الذي يرفض الإصلاحات خسر الكثير على كافّة الصعد الإقتصادية والسياسية والأمنيّة، وقد اتهمت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الحقوقية البحرين باستهداف الشيعة وقمع الحريّات.
في الخلاصة، يبدو أن المواطن الخليجي هو الخاسر الأكبر من حذو بلاده لحذو السعودية، إلا أن العديد منهم اليوم بات يدرك جيّداً أنّه يتحمّل أعباء لا ناقة له فيها ولا جمل، سوى انصياغ حكومته للقرار السعودي الذي يسعى للتحكّم بمفاصل وقرارات هذه الدول، فمتى ترفع السعودية يدها عن شعوب الخليج الفارسي؟ أم أنها ستفعل بهم كما تفعل في سوريا والعراق واليمن؟