الوقت- بعد الإعلان عن تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان في الأشهر الأخيرة، كانت زيارة المسؤولين العسكريين الباكستانيين مثل زيارة رؤساء أركان الجيش والاستخبارات العسكرية الباكستانية إلي أفغانستان، وعقد اجتماعات مع الرئيس الافغاني، من الأحداث الهامة التي لم تدرس أبعادها بكثير من الاهتمام والعناية.
والسؤال الأهم الذي يتبادر إلى الذهن في مثل هذه الزيارات، هو هل يجب أخذ زيارات المسئولين الباكستانيين علي محمل الجد، والناجمة عن نهج هذا البلد الجديد حيال الإرهاب، أو أنها لعبة جديدة للتجارة مع الغربيين؟
الهجوم الإرهابي علي المدرسة العسكرية في بيشاور، شكل صدمة للحكومة والجيش الباكستانيين، ولكن طالما أن قادة هذا البلد العسكريين يعتبرون الإرهاب الطريق الوحيد لتحقيق أهدافهم السياسية، فلا يمكن أن نثق بمثل هذه الزيارات ونعقد آمالاً كبيرة عليها. هذا في حين أن بعض الخبراء يعتقدون أن باكستان متأثرة كثيراً جراء الهجوم الإرهابي على المدرسة العسكرية في بيشاور.
ومع ذلك، فإن موضوع على يد من وكيف وقع حادث بيشاور وما الغرض منه، بجاحة إلي الدراسة والتأمل. ولكن مجرد أن مجموعة تستغل اسم الجهاد وترتكب الأعمال الإجرامية وترسي ثقافة العنف، فإن ذلك سيؤثر علي المجتمع ويغلق الباب أمام تحقيق الأهداف بطريقة سلمية.
الشيء المهم في الحادث الذي وقع في بيشاور، هو أن الهجوم قد استهدف مدرسة عسكرية تابعة للجيش الباكستاني، والضحايا كانوا من المؤسسة العسكرية الباكستانية أيضاً. إذن ما صنعتها الاستخبارات العسكرية الباكستانية وقامت بتدريبها، واستغلتها من أجل الوصول إلي أهدافها، تحولت اليوم إلي بلاء علي نفسها. ولكن الأمر الآخر الذي لا يمكن تجاهله، هو تغيير سياسة القوى الكبرى في المنطقة.
الصين حليفة باكستان باعتبارها إحدي القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، تحتاج إلي إرساء الأمن في المنطقة، ولذلك علي الحكومة في إسلام آباد ومن أجل ضمان الدعم الصيني لها، أن تتخذ خطوات عملية علي طريق تحقيق المصالح المشتركة مع "بكين"، وإحدي هذه الخطوات هي المساعدة في تحقيق الأمن في المنطقة.
من ناحية أخرى، الصين هي إحدي الدول المستثمرة الرئيسية في أفغانستان أيضاً، وتستطيع من خلال امتلاك التكنولوجيا والاستفادة من المعادن غير المستغلة في أفغانستان، الحصول على فوائد جمة. ومن هنا تستطيع باكستان مساعدة الصين عبر المساهمة في توفير الأمن في أفغانستان.
ويقول بعض الخبراء الأفغان أن الصين قد توافقت حتي مع حركة طالبان أفغانستان لتوفير الأمن في مجالهم المهني، وإذا كان هذا صحيحاً، فقد يلبي احتياجات الصين على المدى القصير، ولكن نظراً لعدم وجود الوحدة في صفوف طالبان، وعقود الصين الطويلة الأجل من جهة أخرى، فإنه يجب علي المسؤولين في بكين إما أن يتفقوا مع مختلف فصائل طالبان والمعارضة المسلحة، الأمر الذي سيكون مكلفاً جداً لهم، أو أن يفكروا في أمن شامل في أفغانستان، وإحدي طرق توفير الأمر هي المساعدات الباكستانية في هذا المجال.
والنقطة الأخرى التي تلزم قادة باكستان بتغيير النهج تجاه طالبان أفغانستان، هو اقتراب أمريكا من الهند. لذلك يعلم الباكستانيون أنه بعد الحرب الباردة تضاءلت أهمية إسلام آباد لدي الدول الغربية وخاصة أمريكا.
فإذا كان في الماضي يحدث هناك توتر في العلاقات بين باكستان والهند، وينحاز المسؤولون الأمريكيون إلي حكومة إسلام آباد، لكن الآن تتعاون الهند وأمريكا معاً في مختلف القضايا، ويعقد البلدان اجتماعات بين الحين والآخر. وما يجعل الهند موثوق بها بشكل أكثر لأميركا، هو وجود حكومة مستقرة وديمقراطية فيها، كما تعتبر الهند من الناحية الاقتصادية سوقاً تجارية هامة لأمريكا أيضاً. وبالتالي هنالك زوايا مختلفة تجعل باكستان تغير نهجها تجاه طالبان والعنف بشكل عام، ونعتقد أن زيارة المسؤولين العسكريين في إسلام آباد إلي أفغانستان تأتي في سياق هذا التغيير في النهج.
والنقطة الأخيرة التي يجب علي الباكستانيين أن يدركوها، هي أنه إلي أي مدي يمكن القبول بوجود باكستان كنقطة تكثر فيها الأزمات، وإلي أي مدي يمكن أن ينتفع الباكستانيون من ذلك؟
إن تصدير الإرهاب في المنطقة سيعرض بلا شك مصالح دول العالم إلي الخطر، ويمكن أن يصل هذا الخطر إلي ثوب الباكستانيين أيضاً. هذا في حين أن السلطات في إسلام آباد تعلم أن باكستان تعاني اليوم من الضعف في التماسك الداخلي والوحدة بين الحكومة والشعب، وهذا هو الخطر الذي يتهدد هذا البلد من الداخل.