الوقت- مرة اخرى عاد الضوء ليتركز على محكمة جنايات القاهرة وكما في السابق قررت المحكمة مجدداُ السجن للثوار والبراءة للمجرمين. هذه المرة السجن خمس سنوات وغرامة مالية بقيمة مئة ألف جنيه في قضية تظاهر بدون ترخيص كان من نصيب احد رموز الثورة على نظام حسني مبارك في 2011، الناشط المصري علاء عبد الفتاح 33 عاما من أبرز النشطاء العلمانيين المعارضين لمختلف الأنظمة التي حكمت مصر مؤخرا.
فقد اوقف عبد الفتاح وحبس في عهد مبارك، ثم عهد المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد اطاحة مبارك، ثم حوكم وحُبس في عهد مرسي واخيرا عهد السيسي، وحكم آيضاٌ على 24 متهما الى جانب عبد الفتاح بالسجن باحكام تراوحت بين 3 و15 عاما، فيما تُتهم السلطة في مصر بممارسة قمع صارم على اي معارضة سواء كانت اسلامية ام علمانية.
واوقف الناشطون في اعقاب تظاهرهم في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي امام مجلس الشورى قرب ميدان التحرير قبلة الثورة التي اطاحت مبارك وأزلامه وأحد أهم المعالم الرمزية للثورة المصرية. حيث اعتبرت السلطات المصرية الامر حينها خرقاٌ لقانون منع التظاهرات الا تلك التي تنال تصريحا من الشرطة. وادعت النيابة انذاك بان المتظاهرين هاجموا عناصر الشرطة، لكن شهود عيان قالوا انهم كانوا سلميين وان بعض المحكوم عليهم لم يكونوا متظاهرين بل موظفين تصادف مرورهم بالقرب من تلك المظاهرة و تدخلوا لنجدة فتاة تتعرض لاعتداء من رجال شرطة اثناء فض التظاهرة. وحكم غيابيا على ثلاثة ناشطين بالسجن 15 عاما فيما حكم على الاخرين بالسجن 3 سنوات وبغرامة 100 الف جنيه مصري حوالى 13 الف دولار اميركي.
الى ذلك استنكر الناشطون الذين ظهروا في ملابس الحبس الاحتياطي البيضاء موضوعين في قفص الاتهام الحكم وحاولوا اضفاء حالة من السخرية والاستهجان على قرار المحكمة فقاموا بالتصفيق عند نطق القاضي بالحكم، وفي هذه الأثناء عمت مشاعر الغضب والإحباط ذوي المتهمين وأصدقاءهم ورددوا شعارات مناهضة للرئيس عبد الفتاح السيسي منها " يسقط يسقط حكم العسكر".
وقال احد ذوي المتهمين:"الشباب الذين وضعوا السيسي على الكرسي قام هو بوضعهم في السجن. هل هذا جزاء أولادنا يا سيسي؟"، في اشارة للتظاهرات الحاشدة التي ادت لإطاحة مرسي في 30حزيران/يونيو ومهدت الطريق لتولي السيسي الحكم في ايار/مايو 2014.
وجاء الحكم صادمًا للنشطاء والمغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلق الشاعر عبدالرحمن يوسف عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك،: "شكرا لإثباتك حقيقتك كقائد كاذب كل يوم". كما انتقدت حركة الحرية للجدعان، الحكم وعلقت بقولها: "الحرية لمعتقلي الشورى، يسقط القهر والظلم".
فيما انتقدت حركة شباب 6 ابريل سجن علاء عبدالفتاح وقالت عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك: "كل اللي صدق السيسي لما اتكلم على الشباب المحبوسين، في اتنين من شباب الثورة اللي اتكلمت عنهم، اتحكم عليهم ب5 سنين والباقي3 سنين و100 الف جنيه غرامة".
من جانبه سارع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى امتصاص موقف الشارع المتأزم، وقبل صدور هذا الحكم بساعات، كلف الاجهزة الامنية بإعداد قائمة عن المحبوسين في القضايا المتعلقة بالتظاهر، ووعد بالافراج عن من اسماهم "الشباب الابرياء ".
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي:" انا لا انكر انه يمكن ان يكونوا شباب ابرياء نتيجة الحالة التي نحن فيها، وقلت لهم في وزارة الداخلية ان يتحركوا ويتفقدوا كافة السجون، والقائمة التي سيعدونها سنعمل على اطلاق سراحهم في اطار الصلاحيات المتاحة.
وبينما تؤكد جمعيات حقوقية في مصر ان حرية الرأي والتعبير باتت في خطر، تقول السلطة انها تسير وفقا للقانون الذي لايفرق بين احد. ويرى المراقبون ان هذا الحكم يمثل منعطفا مهما في مسار العلاقة بين الادارة الحاكمة والقوى السياسية التي شاركتها في تأسيس نظام الثلاثين من يونيو، ويبدو ان ملامح النظام باتت جلية خاصة مع عزوف هذه القوى عن المشاركة في العملية الانتخابية المقبلة.
يأتي قرار المحكمة هذا بعد قرابة ثلاثة أسابيع من حكم قاس بالسجن المؤبد على 230 ناشطا غير إسلامي بينهم الناشط احمد دومة المعارض لمبارك والرئيس المعزول محمد مرسي حيثسجّل دومة (25 عامًا)، رقمًا قياسيًا في عدد المرات التي دخل فيها السجن: أكثر من 18 مرّة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والمجلس العسكري. فالناشط الذي شارك في الثورة على نظام مبارك وعارض المجلس العسكري ومحمد مرسي، ظل ضيفًا دائمًا على السجون. من نظام مبارك، مرورًا بالمجلس العسكري ومرسي ومنصور، وصولاً الى نظام السيسي، طاردت دومة الاتهامات بالتحريض على العنف، ومحاولة إسقاط نظام الحكم. وهو يُعدّ المثل الأبرز على أنه لم يعد أحدٌ في مأمن من ضربات السلطة التي كان دومة مؤيدًا لانقلابها على سلطة "الإخوان المسلمين".في وقت تتهم السلطة في مصر بممارسة قمع صارم على أي معارضة سواء كانت إسلامية أم علمانية.
وفي موضوع متصل تصاعدت موجة الاعتراضات من القوى الثورية على قانون الكيانات الارهابية الذي عرف الكيان الإرهابي بأنه الجمعيات أو المنظمات أو التنظيمات أو الجماعات التي تهدد المواطن أو تخرب الممتلكات العامة وما إلى ذلك.
حيث أعلنت حركة شباب6 ابريل رفضها هذا القانون جملة وتفصيلاً قال خالد إسماعيل عضو المكتب السياسي لحركة شباب 6 إبريل ": إن هذا القانون تم إصداره من أجل القضاء على شباب الثورة الذين ينتمون لمنظمات مجتمع مدني وجمعيات أهلية وحركات ثورية وما إلى ذلك." وأضاف: " أن الحركة ستعمل ضد القانون جانب القوى الثورية ومنظمات حقوق الإنسان في الإطار القانوني لمنع إصدار القانون."
هكذا اذن جاء الحكم على النشطاء الساسيين استكمالاٌ لمسلسل التضيق على الحريات في عهد السيسي واستكمالاً لما يراه البعض مشروع الثورة المضادة فالحكم بالنسبة لهؤلاء هو استكمال لما وصف بمسلسل التنكيل بنشطاء ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي أدت الى اسقاط نظام حسني مبارك. ووفق ما يراه المراقبون فإن الشباب المصري فقد ثقته بالنظام الحاكم، وخاصة بعد استمرار مسلسل الاعتقالات و قانون منع التظاهر.
