الوقت- لجأت السلطات السعودية في السنوات الأخيرة إلى التعاقد مع شركة جي فور أس (G4S) لتأمين موسم الحج. وبعد فاجعة منى التي راح ضحيتها الآلاف من الحجّاج العام الماضي أثيرت الكثير من التساؤلات حول سبب تعاقد الرياض مع هذه الشركة لتأمين الحجّاج منذ دخولهم الأراضي السعودية وحتى عودتهم إلى بلدانهم.
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لابدّ من الإشارة إلى نبذة مختصرة عن تاريخ شركة "جي فور أس" التي إعترفت قبل أعوام على موقعها الإلكتروني بأنها حصلت على عقد في مشروع "مترو جدة" لتأمين موسم الحج.
تأسس المكتب المركزي لشركة "جي فور أس" في عام 2004 بمدينة "كراولي" في بريطانيا، وتمددت فيما بعد ليكون لها ممثلين بأسماء مختلفة في أكثر دول العالم، ويتم تداول أسهم الشركة في بورصة لندن وأسواق صرف العملات في كوبنهاغن وعواصم أخرى. والمثير للإهتمام في هذا الجانب أن أغلب أسهم الشركة تسجل إرتفاعاً كبيراً بشكلٍ غريب لاسيّما في موسم الحج.
وحسب صحيفة "كلوبس" الإسرائيلية المعنية بالشأن الإقتصادي، تقدم شركة "جي فور أس" خدمات أمنية في معظم الدول العربية، ولها فروع في دول مجلس التعاون، وقد زاد وجودها في المنطقة خلال الأعوام الأخيرة بنسبة أكثر من عشرة بالمئة.
وتعرف شركة "جي فور أس" على أنها واحدة من أكبر الشركات الإسخباراتية التجسسية التي تعتمد على المموليين الصهاينة والبريطانيين، ولديها اليوم أكثر من 657 ألف موظف ينتشرون في أكثر من 125 منطقة في العالم بينها الأراضي الفلسطينية المحتلة. والمدير التنفيذي لهذه الشركة هو "أشلي مارتين المانزا".
وبدأت شركة "جي فور أس" بالتعاقد مع الحكومة السعودية إعتباراً من العام 2010، وتتوالى المعلومات عن إشتراكها في تنظيم مواسم الحج عبر نافذة أمنية واسعة، تبدأ بتوفير أنظمة المراقبة والتفتيش، وصولاً إلى الإشراف الأمني على نقل الحجّاج إلى مكة المكرمة.
وتملك الشركة عدّة فروع في مختلف المدن السعودية بينها جدّة والطائف والرياض وجيزان والحائل وتبوك وجبيل. وهناك وثيقة مسربة تكشف أن السعودية سبق وأن تعاقدت مع هذه الشركة لتأمين الحدود الجنوبية المحاذية لليمن.
والجديد في هذا العام هو قيام هذه الشركة بتزويد الحجّاج بأساور إلكترونية فرضتها سلطات الرياض بحجة ضمان متابعة سير عمليات الطواف والتفويج ورمي الجمرات خلال المراسم.
وكانت السلطات السعودية قد طلبت من مكاتب شؤون الحج في مختلف دول العالم بتزويدها بمعلومات عن الحجّاج قبيل وصولهم إلى منافذ الدخول حتى يتم تخزينها في تلك الأساور. وتشمل هذه المعلومات: الرقم الحدودي، رقم التأشيرة، رقم جواز السفر، صورة الحاج والبيانات الأساسية المتعلقة به ومن بينها بيانات سكنه في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وتعمل الأساور الإلكترونية لشركة "جي فور أس" بنظام "جي بي أس" لتحديد مكان الحجّاج دون الحاجة إلى الإقتراب منهم والسؤال عن بياناتهم، ما يتيح للأمن السعودي مراقبة تحركاتهم لأغراض إستخبارية تصل إلى حد الإستهداف المباشر.
وتجدر الإشارة إلى أن شركة "جي فور أس" إكتسبت سمعتها السيئة، نتيجة تقديمها المعدات والأنظمة الأمنية لإستعمالات السجون والحواجز الأمنية والمستوطنات داخل الكيان الإسرائيلي. وتعتبر هذه الشركة المزود الوحيد لأنظمة الأمن الإلكترونية لشرطة الإحتلال الإسرائيلي. كما أنها متورطة بإنتهاكات واسعة ضد الأسرى الفلسطينيين خصوصاً في الضفة الغربية.
وفي وقت سابق كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن فضيحة لشركة "جي فور أس" حيث نشرت شهادات لسجناء كانوا في أحد السجون التي تديرها الشركة في دولة جنوب أفريقيا، تؤكد إعتماد الشركة على أدوات وأساليب تعذيب محرمة دولياً للسيطرة على السجناء.
كما ذكرت مواقع إسرائيلية على شبكة الإنترنت إن شركة "جي فور أس" ترتبط بعلاقات إستراتيجية مع السعودية، مشيرة كذلك إلى أن هذه الشركة تقوم بالعديد من النشاطات الأمنية في الكثير من الدول العربية والإسلامية، ولديها إستثمارات بمليارات الدولارات في هذه الدول، ما يتيح لها المجال لإختراق المجتمعات العربيية والإسلامية.
واللافت أن السعودية حاولت تسويق روايتها عن "جي فور أس" من باب الحرص على الحجّاج وحماية أمنهم، مع أن إقحام شركة مرتبطة بأجهزة تجسس أجنبية بينها الموساد الإسرائيلي في موسم الحج يمثل إنتهاكاً صارخاً لخصوصية وأمن الحجّاج.
وأثار تخويل السعودية أمن الحرمين الشريفين لشركة "جي فور أس" إنتقادات واسعة في صفوف علماء الدين والشخصيات الإسلامية ، حيث أكد الكثير منهم بينهم خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس الشيخ عكرمة صبري بأن التعاقد مع هذه الشركة يُعد من الأعمال المحرمة شرعاً لأنه يساهم في إعانة داعمي الإحتلال الإسرائيلي.
إنطلاقاً من هذه الحقائق بات من الضروري التحرك من قبل كافة الدول الإسلامية لمنع المسؤولين السعوديين من الإستهتار بمقدرات المسلمين لاسيّما فيما يتعلق بقضية الحج التي تعد من أقدس الفرائض لدى جميع المسلمين، ومن المعيب جداً أن تخوّل شركة مرتبطة بأجندة إسرائيلية بالشؤون الأمنية للحجّاج تحت ذرائع واهية تهدف إلى التغطية على الفشل الذريع الذي منيت به الأجهزة الأمنية السعودية المتهمة ليس فقط بالتقصير بحفظ أمن وسلامة الحجّاج؛ بل بالمشاركة في قتلهم كما حصل في فاجعة منى الأليمة العام الماضي.