الوقت - شكَّل تاريخ 11 أيلول من العام الحالي مناسبةً لإعادة النقاش في العلاقات الأمريكية السعودية. خصوصاً بعد أن ساد التوتر من جديد هذه العلاقة على خلفية موافقة الكونغرس على قرار مجلس الشيوخ منذ أشهر. في حين يُنتظر قرار الرئيس الأمريكي المعارض حتى الآن. لكن المسألة طرحت تساؤلاتٍ عديدة اهتم بها الإعلام الغربي بشكل كبير. حيث ظهرت العديد من التقارير التي تحدثت عن المستقبل الغامض للعلاقات بين واشنطن والرياض. فماذا في القانون الذي ينتظر رأي البيت الأبيض؟ وكيف تأزمت العلاقة بين السعودية وأمريكا منذ 2010؟ وما هو النقاش الذي أثاره الإعلام الغربي حول الموضوع؟
القانون ومعارضة السعودية والإختلاف الأمريكي حوله
تعارض السعودية بشدة مشروع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" والذي وافق عليه مجلس النواب الأمريكي بعد أربعة اشهر من مصادقة مجلس الشيوخ عليه، معتبراً أن 15 شخصاً سعودياً كانوا من الذين خطفوا الطائرات التي استخدمت في اعتداءات 11 أيلول. وسبق أن هددت السعودية بسحب احتياطات مالية واستثمارات من أمريكا تُقدَّر بحوالي 750 مليار دولار في حال إقرار مشروع القانون.
ومنذ أيام أقر مجلس النواب الأمريكي قانوناً يسمح لضحايا اعتداءات 11 ايلول 2001 وأقاربهم بمقاضاة حكومات أجنبية يُشتبه بدعمها أعمالاً إرهابية ضد أمريكا، خصوصاً السعودية، كما يسمح بالمطالبة بالتعويض في حال ثبتت مسؤولية هذه الدول عن الهجمات. وتم رفع القانون الى البيت الأبيض لمصادقة الرئيس باراك أوباما عليه. وقد أعرب البيت الأبيض لاحقاً، عن معارضته للقانون لأنه يخالف مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية. وبالتالي فإن موافقة مجلس النواب على المشروع سيُثير مواجهة محتملة مع البيت الأبيض الذي هدد باستخدام النقض الرئاسى (الفيتو) ضده. ويصبح "فيتو" الرئيس الأمريكي باطلاً، في حال صوَّت أكثر من ثلثي أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب كل على حدة على مشروع القانون. وفي هذه الحالة فإنه سيتيح المضي قدماً في دعاوى بمحكمة اتحادية في نيويورك حيث يسعى محامون لإثبات أن السعوديين كانوا ضالعين في الهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن.
توتر يحكم العلاقات الأمريكية السعودية منذ 2010
عدة مسائل جعلت العلاقات الأمريكية السعودية متوترة منذ العام 2015 بحسب المحطات السياسية الجديدة بين البلدين. وهنا يمكن سرد حالات التوتر الأساسي موجزة بالتالي:
- خيم التوتر على العلاقة بين البلدين بعد الإتفاق النووي الذي وقعته الدول الكبرى مع إيران، خلال صيف العام 2015. حيث اعتبرت السعودية ذلك تماشياً مع التعاظم الإيراني دون مواجهته.
- خلال شهر آذار المنصرم هاجم الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة له مع مجلة "ذي أتلانتيك" سياسات الرياض، مُطالباً إياها بإيجاد سُبل لإقامة علاقات حسن الجوار حتى مع إيران. وهو ما أثار غضب السعودية خصوصاً والدول الخليجية عموماً.
- السعودية من جهتها ردَّت عبر رئيس الإستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل في لقاء له على قناة "CNN"، والذي أشار إلى أن الأيام الخوالي بين واشنطن والرياض انتهت إلى غير رجعة، ويجب إعادة تقييم العلاقة بين البلدين، مؤكداً وجود تغيير في السياسة الأمريكية تجاه السعودية.
الإعلام الغربي يُعيد طرح الموضوع: العلاقات الأمريكية السعودية مجهولة المستقبل!
أولاً: خرجت "ميديل إيست بريفنغ" منذ يومين، من خلال تقريرٍ لقي صدیً في الإعلام الغربي، لتُشير الى أن السنوات القليلة الماضية كانت نقطة تحول في العلاقات الأمريكية السعودية الوثيقة. طارحةً النقاش حول أسباب ذلك، وإمكانية إنهاء التوتر. ولتحديد الجواب، أشار التقرير إلى ضرورة الوقوف عند ثلاث محطات رئيسة، وهي: ما سُمي بـ "الربيع العربي"، صعود الإسلام السياسي والإرهاب الداعشي وتوقيع الإتفاق النووي مع إيران. مؤكداً أن هذه المحطات تُبرز وجود اختلافات جزئية بين البلدين لكنها تدل على وجود اختلاف كبير في وجهات النظر حول كيفية رؤية الأمور. وبحسب التقرير فإن واشنطن كانت قادرة على لعب دور سياسي أقرب الى الرياض مما فعلته في الواقع. في حين أشار الى أنه لا يمكن إنكار الوجه الوهابي للسعودية وهو ما تتصف به حقيقة بحسب رأيها!.
وفي حديث التقرير عن مستقبل العلاقة، فإن نظام الحكم في السعودية يُشكل مشكلة بحد ذاته، حيث سيكون أشبه بحكومة مركزية ضعيفة ومحدودة المدى قريباً. ووصف التقرير أنه يوجد خيبة أمل من مستقبل العلاقة بين البلدين، حيث بات يرى كل بلد الأمور بشكل مختلف تماماً. فأمريكا رأت عملية التحول الإقليمي في الشرق الأوسط من منظور الطريقة الخاصة بها في التفكير والقيم. فيما يواجه السعوديون خيبة أمل أخرى، نتيجة نظرتهم الى هذا التحول من منطلق إستراتيجي خاص بهم حيال التعاظم الإيراني.
وختم التقرير قوله إن العلاقات بين واشنطن والرياض معرضة للتحسن أو ستتدهور بشكل أكبر. في حين يبدو أن الواقع الإقليمي للمنطقة، لا يدعم فرضية أن تبقى هذه العلاقات ثابتة حيث كانت واقفة على رمال متحركة.
ثانياً: في تقرير غربي آخر منذ أيام كتبه "غريغوريو غوز" لمجلة فورن أفيرز الأمريكية، تحدث الكاتب عن تطور ومستقبل العلاقة بين السعودية وأمريكا، والتي بدأت منذ الحرب العالمية الأولى وصولاً الى ما يحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط.
وبعد طرح التقرير لتاريخ العلاقة الوطيدة، يُشير الكاتب الى أن هذه العلاقة باتت تمر بمراحل عصيبة، خصوصاً بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي باراك اوباما مُشككاً في موقع الرياض وقيمتها كحليف استراتيجي. وهو ما جاء بحسب الكاتب بعد اتهام أوباما السعودية بوقوفها وراء إثارة الصراع الطائفي في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً أن أغلب الأمريكيين يعتقدون أن الحكومة السعودية متورطة في أحداث الحادي عشر من أيلول من العام 2001.
واليوم يُشير الكاتب الى أن البلدين يشهدان أولويات مختلفة على صعيد السياسة الخارجية. في وقتٍ ينصح فيه واشنطن، بالعمل على الحفاظ على العلاقة مع الرياض في الوقت الراهن، وذلك عبر التشاور بشكل أكبر مع المسؤولين السعوديين، في القضايا التي تخص منطقة الشرق الأوسط، والبُعد عن الإنفراد في القرارات الحساسة التي تخص المنطقة. معتبراً أن المصالح كانت وستبقى معيار العلاقة السعودية الأمريكية!
إذن يعود من جديد النقاش حول العلاقة الأمريكية السعودية. في حين بات واضحاً وجود تسليمٍ غربي بغموض مستقبل العلاقة، التي يبدو أنها مرهونة بتطورات المنطقة وأولوية المصالح. فيما كان 11 أيلول من العام الحالي، مناسبة لإعادة الجدل حول أهمية هذه العلاقة ومستقبلها لدى الأوساط الغربية خصوصاً الأمريكية.