الوقت- رغم استقبال بغداد للوفد اليمني بصورة رسميّة وذلك بالتزامن مع طرد السفير السعودي ومطالبة الرياض باستبداله لعدم أهليته، إلّا أن الجهود السياسية للمجلس السياسي الأعلى تتركّز اليوم على ترتيب البيت الداخلي، قبل الانطلاق نحو الخارج.
آخر خطوات المجلس السياسي الداخلية تمثّلت بمشروع قرار العفو العام المرتقب صدوره خلال أيام، وذلك في إطار تعزيز الدعم الداخلي للمجلس السياسي ومقبوليته الشعبية التي تشكّل حجر الأساس في الانطلاق نحو الخارج في المرحلة اللاحقة.
وتأتي هذه الخطوة في إطار السياسة العامة للقوى الوطنية التي تسعى لجذب الحد الأكبر من اليمنيين، دون الانتقام من المغرّر بهم، لا بل معالجتهم في المستشفيات التي تقع تحت سيطرة الجيش والأمن واللجان الشعبية وفق توجيه رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي.
هذه السياسة التي تكشف مسؤولية هذه المجلس تجاه الشعب، أثمرت نصراً سياسيّاً ودعماً شعبياً غير مسبوق تجلّت أبرز مشاهداها يوم 21 أغسطس/ آب 2016 في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، بخلاف السياسة التي يعتمدها الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي حيث يعيش هو وحكومته حياة الترف والرفاه في فنادق الرياض، في حين يزجّ بأبناء وطنه قرباناً للمشروع السعودي الذي كلّف اليمن أكثر من 1000 ألاف شهيد، وعشرات الآلاف من الجرحى.
في الواقع يحمل العفو العام رسائل عدّة تجاه الشعب اليمني، فضلاً عن رسائله الخارجية التي تؤكد سلمية المشروع اليمني الجديد وتعامله بإيجابية مع أي مبادرة سلام تحقق التوقف الشامل للعدوان، وتصون دماء وكرامة اليمنيين. داخلياً، يمكن الإشارة إلى أن هذه الخطوة قد تدفع بالكثيرين من الذين وقفوا إلى جانب السعودية ضد وطنهم، للاستيقاظ من الغفوة والهفوة التي كلّفت بلادهم الكثير.
ورغم أهمية الخطوة الإنسانية للمجلس السياسي، ومن قبله اللجنة الثورة، إلا أنه لا يمكن حصر توسّع القاعدة الشعبية وارتفاع منسوبها بهذا الشقّ، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى الأمور التالية:
أولاً: تتحمّل السعودية مسؤولية الدماء التي تراق في الشمال اليمني، فقد أدّت غراتها الجويّة إلى مقتل آلآلاف من المدنيينوالأبرياء، فضلاً عن تدمير البنى التحتيّة.
ثانياً: لا ينحصر الثأر اليمني مع أبناء الشمال، فالسعودية أيضاً تتحمّل مسؤولية الدماء التي تهدر في الجنوب اليمني عبر وكيلي القاعدة وداعش. فالعدوان السعودي مكن القاعدة و داعش في الجنوب ، حيث لم يأتوا في منطقة إلا وأتت معهمداعش والقاعدة.
ثالثاً: وجد العديد من أبناء اليمن أنفسهم يشاطرون العديد من مرتزقة بلاك وور والسودانيين في قتال أبناء وطنهم، لاسيّما العديد من هؤلاء ينتمون إلى القبائل العربية العريقة.
رابعاً: فشلت السعودية وحلفائها في تحقيق الاستقرار الأمني في المناطق التي تسيطر عليها، لاسيّما مدينة عدن التي فشلت الرياض في تحويلها إلى نموذج يشبه دبي أو الرياض علّهم ينجحون في جذب الشعب نحو مشروعهم. هم فشلوا في تأمين قصر "المعاشيق" فكيف لهم أن يؤمنوا محافظة عدن، فضلاً عن الجنوب اليمني. مقابل هذا الضعف، نجحت قوات الجيش واللجان الشعبية في فرض سيطرتها الأمنية على كافّة المناطق التي تسيطر عليها عدا هجمات الطائرات السعودية ومناطق الاشتباك مع المرتزقة.
خامساً: شارك العديد من المغرّر بهم في العدوان، باعتبار أن الأمر لن يستغرق سوى أيام قليلة، إلا أن استمرار الحرب لأكثر من 17 شهر في ظل وصولها إلى طريق مسدود، زرعت اليأس في نفوس هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم وسليه لتحقيق غايات سعودية.
سادساً: الخلاف الداخلي بين كل من هادي وبحاح، وكذلك قرارات الرئيس المستقيل من أحد فنادق الرياض التي تنوعّت ما بين المزاجيّة والعبثية. في الحقيقة، انقلبت بقض هذه القرارات على أصحابها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تسبّب تعيين الجنرال علي محسن الأحمر نائباً لرئيس الجمهورية بخسارة جزء كبير من أبناء الجنوب. السعودية حاولت من خلال هذه الخطوة كسب قبائل الشمال، إلا أنها فشلت في ذلك فضلاً عن خسارتها لأبناء الجنوب باعتبار أن الأحمر يعد أبرز قياديي عملية اجتياح الجنوب في حرب صيف 1994.
سابعاً: لا يمكن التغافل عن دور التنسيق بين "أنصار الله" و "المؤتمر الشعبي العام" أكبر الأحزاب على الساحة اليمينة. فرغم محاولة الرياض المستميتة لضرب هذه التحالف إلاّ أن خطوات المجلس السياسي ومجلس النواب كرّس هذا التحالف الذي صبّ أولاً وآخراً في صالح اليمن واليمنيين.
اليوم، تعد خطوة المجلس السياسي في ترتيب البيت الداخلي اليمني أكثر من مهمة، باعتبارها حاجة ملحّة للشعب، إضافةً إلى أنها الركيزة الأساس لشرعية هذا المجلس في السياسة الخارجيّة.