الوقت- على وقع معارك نجران وجيزان في الشمال اليمني، عادت جبهة عدن إلى الواجهة من جديد، حيث استهدف تنظيم "داعش" الإرهابي مدينة عدن بتفجير انتحاري أدّى إلى سقوط أكثر من 70 شهيد وعشرات الجرحى.
وتأتي هذه الجريمة النكراء التي ارتكبتها أيادي الإجرام البغيض الذي تمارسه تنظيمات القاعدة وداعش في المنطقة عموماً، واليمن على وجه الخصوص، بالتزامن مع العدوان السعودي القائم منذ أكثر من 17 شهراً انتهزت خلالها هذه الجماعات الفرصة لتمرير مشاريعها التكفيرية خاصّة أن بيئة الفوضى الناعمة (الأمريكية) والصلّبة (السعودية) تعد أرضاً خصبة لظهور وتوسّع هذه الجماعات الإرهابيّة.
كما هو الحال بعد كل تفجير تبدأ العديد من الأطراف اليمنية تقاذف التهم، إلا أن الجنوبيين يعتقدون أن حزب الإصلاح هو المسؤول الأول عن الهجمات التي تشهدها عدن وحضرموت وأبين، خاصّة أنه لم يدن أي تفجير يستهدف الجنوب. لذلك، هناك أسئلة عدّة تطرح نفسها اليوم، لاسيّما أن هذا التفجير الإرهابي يأتي بعد يومين على تصريحات منسوبة لوزير الداخلية في حكومة هادي اللواء حسين عرب التي قال فيها انه يتمنى إطالة الحرب في الشمال لترتيب الوضع في الجنوب، الأمر الذي دفع بالقيادي في حزب الإصلاح اليمني توكل كرمان، للرد في تصريحات على صفحته بتويتر " وزير داخليتنا المحترم يتمنى أن تطول الحرب في الشمال، قال من اجل يتمكن من ترتيب الوضع في الجنوب، هذا التصريح كفيل بإقالة الرئيس وليس الوزير فقط".
لم تكن هذه المرّة الأولى التي يستهدف فيها تنظيم داعش الإرهابي الجنوب اليمني، وتحديداً مدينة عدن، بل شهدت الجنوب طفرة إرهابية لـ"داعش" و "القاعدة" جعلت لهذه الأزمة تفسيرات عدّة لا تنحصر بالعدوان القائم على البلاد. التفجير الأخير الذي يعد الخرق الأمني الثاني خلال أسبوع حيث اغتال التنظيم الإرهابي الأسبوع الفائت مسؤول عسكري يمني، يأتي بعد غياب هذه التفجيرات لعدّة أشهر، فهل هناك سيناريو جديد ينتظره أبناء المدينة؟
الانكسار في سوريا والعراق، والتوجّه نحو اليمن
لم يكن تنظيم داعش الإرهابي ليفصل جبهاته عن بعضها في يوم من الأيام، ففي سوريا والعراق يتم تنقّل عناصر التنظيم على مختلف الجبهات ووفق الحاجة، كما أن هجمات التنظيم في أوروبا وأمريكا تأتي دائماً بعد الخسائر التي يتكبّدها في ساحات القتال الشرق أوسطية.
الوضع اليمني، ليس عن هذا الأمر ببعيد، فالخسائر الأخير للتنظيم سواءً في سوريا أو العراق وليبيا، تعد أحد أسباب انسحابه نحو الساحة اليمنية، لاسيّما ان العدوان السعودي يشكّل فرصة كبيرة لتعويض خسائره في مختلف الدول عبر التوسّع في جنوب اليمن. أفغانستان أيضاً، أحد النماذج المشابهة لهذا التوسّع الداعشي.
الفراغ الأمني في اليمن
من جهة ثانية، يعد هذا الهجوم أحد أوجه الفراغ الأمني القائم في مدينة عدن أكثر من 17 شهراً موعد بدء العدوان السعودي على اليمن. الهجمات الإرهابية المتكرّرة في المناطق التي تسيطر عليها جماعات تابعة للسعودية والإمارات تؤكد الفراغ الأمني الحاصل في هذه المناطق التي تؤكد السعودية أنها تحت سيطرتها. ويكشف هذا الفراغ الأمني زيف الادعاءات التي ساقتها السعودية قبل فترة حول ضرب الجماعات التكفيرية في جنوب اليمن، إلا إذا كان المقصود من هذا الإضعاف تنظيم القاعدة حصراً، وليس داعش الإرهابي.
رسالة إلى السعودي
بعض المحللين وجدوا في تحركات داعش في مدينة عدن رسالة إلى السعودية. فالتحولات الأخيرة في الأزمة السعودية والتقارب التركي مع إيران وروسيا، أثّر على الموقف السعودي في سوريا، والذي بات مكبّلاً أكثر من أي وقت مضى. الخمول السعودي في سوريا، وبالتالي البعد الذي حصل مع حلفائها هناك، بعض الجماعات الإرهابية التي تدين بالولاء للسعودية، دفعت بهذه الجماعات للضغط على السعودية بغية إعادتها إلى مربّعها السابق. أحد مظاهر هذا الضغط تجلّى في انفجار عدن بالأمس.
رسالة من السعودي
بخلاف أصحاب الرأي السابق، ذهب بعض المحللين إلى فرضية جديدة وجدت في تفجير عدن الأخير سيناريو سعودي معدّ مسبقاً، يهدف لإظهار الفراغ الأمني القائم في اليمن، وبالتالي إيجاد مبرّرات جديدة للعدوان القائم لدى المجتمع الدولي. بعبارة أخرى، تسعى السعودية من خلال هذه الخطوة لرفع الضغط الأممي الذي يهدف لوقف عدوانها على اليمن بعد وصوله إلى طريق مسدود في الـ17 أشهر الماضية. السعودية ومن خلال ايجاد "الفراغ الأمني الاصطناعي" تهدف لشرعنة تواجدها العسكري وعدوانها على الجار الجنوبي. وبالتالي ليس الانفجار الأخيرة فحسب، بل كافّة العمليات الانتحارية، وكذلك عمليات الاغتيال، تدخل في إطار السيناريوهات السعودية المعدّة لاستهداف اليمن، لها تنجح من خلال هذه الأمر بتبييض صفحتها السوداء يمنياً وأممياً، فضلاً عن إيجاد أي نصر معنوي جعله الشعب اليمني للنظام السعودي سراباً.