الوقت- تختصر معركة تحرير جنوب سوريا المشهد القائم في الشرق الأسط، هناك برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه، فمن جهة الأسد تتقدم قوات الجيش السوري بمؤازرة رجال حزب الله وضباط الحرس الثوري الإيراني نحو الجولان وفي عينها الحسرة على فلسطين الحبيبة، في المقابل تقف مرتزقة العصابات التكفيرية بمؤازرة إسرائيلية-أمريكية، وحتى عربية، لكن "الأخبار الواردة من هناك لا تُبشر بالخير للكيان الإسرائيلي"، عبارة رددها قادة الكيان الإسرائيلي في الآونة الأخيرة والحرقة في قلوبهم لأن عمل عام كامل في بناء العصابات، أفشله محور المقاومة خلال بضع ساعات.
خلال العام الفائت استطاع المسلحون، ولأسباب عدّة بعضها تتعلق بالدعم العسكري والإستخباراتي الإسرائيلي لهذه الجماعات، في تحقيق اختراقات إستراتيجية في مناطق درعا والقنيطرة تسمح لهذه الجماعات بالتواصل مع ريف دمشق الجنوبي، وبالتالي العمل على تحقيق ضربة نوعية من خلال التقدم نحو دمشق التي لا تبعد سوى عدّة كيلومترات.
تقدّم الجماعات المسلحة بين درعا والقنيطرة وصولا إلى ريف دمشق الجنوبي، كان محطّ أنظار محور المقاومة، ولأنه لا مجال للإنكسار خاصةً في هذه الجبهة التي باتت تهدّد دمشق نسبياً، قامت قوات الجيش السوري ورجال حزب الله بمؤازرة ضباط الحرس الثوري الإيراني بإعداد خطّة متكاملة لإستعادة هذه المنطقة وطرد الجماعات التكفيرية نحو الكيان الإسرائيلي الذي وقع بين نار إستقبالهم من ناحية بسبب رفض العديد من القادة السياسيين في الداخل الإسرائيلي، ونار ضربهم من ناحية آخرى.
بعد استكمال التحضيرات العسكرية واللوجستية، قام المحور"الأسد" وبالإعتماد على عناصر الضغط الناري بالتقدم سريعاً نحو استعادة السيطرة على النقاط الأساسية التي قطّعت أوصال الجماعات المسلحة، لا بل تقدّمت القوات السورية في ساعات إلى نقاط "إستراتيجية" كاسرةً جزءا كبيرا من الحزام الأمني الذي أنشأته جبهة النصرة خلال العام الفائت بأوامر ودعم لوجستي من يقف خلف هذه الجماعات جغرافياً.
طلائع النتائج والإنعكاسات لهذا الهجوم بدت في حلب وتحديداً بتقدم الجيش السوري الذي بات قاب قوسين أو ادنى من فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء، كما أن من المؤكد أن النتائج لن تقتصر على مناطق الجنوب فحسب، بل على القدرات العسكرية والنفسية للمجموعات المسلحة الموجودة في ريف دمشق الجنوبي والغوطة، وهذا ما بات واضحاً للقوات السورية حيث تحاول الجماعات المسلّحة القيام بردّة فعل عبر إعادة تنظيم نفسها، والقيام بـ "رد الاعتبار"، الذي يحفظ ماء الوجه.
الكيان: أمننا الإستراتيجي في خطر
الكيان الإسرائيلي بجيشه وحكومته لم يستطع إلا أن يتابع بحسرة المعارك الضارية التي يخوضها الجيش العربيّ السوريّ ضدّ المُعارضة المُسلحّة على مختلف فئاتها في الجزء المُحرر في هضبة الجولان العربيّة السوريّة.
داخلياً، وعلى غير عادتهم سكت أغلب قادة الكيان، كأن على رؤوسهم الطير، ولكنّ وزير الخارجيّة الإسرائيليّ، أفيغدور ليبرمان هاجم بشدّةٍ وزير الأمن الإسرائيليّ الحاليّ، موشيه يعالون، حيث إعتبر أن الأخير كان جنديًّا ممتازًا، لكنه ليس كذلك كوزير للدفاع، وتابع: للأسف لا أحد يأخذه بجدية، لا حماس، ولا حزب الله، ولا حتى الأمريكيين، ولا أيضًا جيراننا العرب.
وأضاف ليبرمان قائلاً: نعم تميزّ يعالون لغاية الآن بفلتات اللسان وبعدها بالهرولة للاعتذار أمام الأمريكيين، لافتًا إلى أنّه لا يعتقد بأنّ أيًّا من تصرفاته إزاء حماس، وحزب الله، والولايات المتحدة قد جلبت الاحترام لإسرائيل ولم تضف أي إضافة للردع، على حدّ قوله.
عملية الجولان في العين الاسرائيلية لها ابعادها الإستراتيجية و الهامة، ففي الوقت الذي أكدت فيه المصادر الامنية للكيان، أن تداعيات المعارك القائمة في الجزء المُحرر من الجولان ستكون لها تداعيات إستراتيجيّة بعيدة المدى على تل أبيب، بدأت تُسمع بعض الأصوات في الداخل الإسرائيلي، والتي تُطالب بالعودة إلى التمسّك بمعاهدة فضّ الاشتباك في العام 1974، في حين حاول المحللون الإسرائيليون إلتزام الصمت خوفاً من إستخلاص العبر، معتبرين أن الهجوم الذي يشنّه الجيش السوري في منطقة القنيطرة امتداداً لمعركة القصير. في هذا السياق قال ايهود يعري "سأكون حذراً في اقوالي، لأني أقول أشياء هنا، وبعد ذلك يستخلص السوريون من ذلك نتائج". وأضاف "ما يحصل مشابه جداً لمعركة حزب الله في القصير على الحدود السورية اللبنانية، والمشكلة هي أنهم إذا ما نجحو في إبعاد المجموعات المسلحة، والوصول إلى حدودنا، فإنه سيكون الأمر الأخير الذي تريده اسرائيل".
بصرف النظر عن التفاصيل التكتيكية والاستراتيجية لمعركة الجولان، ولوتجاهلنا المشكلة الكبيرة والقلق العميق للكيان الإسرائيلي إثر تقدّم الجيش السوري وحزب الله نحو حدود الجبهة الجنوبية وكسرهم للحزام الأمني، كيف سيكون الرد الإسرائيلي في حال كسر الجيش السوري قواعد الإشتباك القائمة منذ عام 1974، ونقل عتاده الثقيل إلى المنطقة القريبة من الجولان المحتل؟ هل سيقف قادة الكيان مكتوفي الأيدي أم سيبادر سلاح الجو لقصف القوات السورية المتقدّمة؟ كيف سيكون رد محور المقاومة على أي تدخل عسكري إسرائيلي مباشرهناك، خاصةً أن الأمين العام لحزب الله أعلن عدم إعتراف الحزب بقواعد الإشتباك بعد عملية القنيطرة؟ وهل ستشهد كافة المدن السورية التي يعيث فيها التكفيريون فساداً سيناريو "الجولان الأخير" أو"القصير الجديد".