الوقت- شكَّلت الصراعات في الشرق الأوسط مادة الباحثين لا سيما عندما يتعلق الحديث عن مستقبل شعوب المنطقة. فيما يغيب عن البعض علاقة الغرب ومسؤوليته حول ذلك، منذ تاريخ انتدابه للمنطقة حتى اليوم. في هذا المقال، سنحاول تسليط الضوء على جذور الصراعات عبر المسار التاريخي لها. ثم الحديث عن التهديدات التي نتجت عن هذه الصراعات.
جذور الصراع في الشرق الأوسط
لا شك أن الحديث عن آثار الصراع في الشرق الأوسط، يقتضي الحديث عن المحطات الرئيسية لهذا الصراع. في حين أن التأريخ للصراع، كان محلَّ إختلافٍ بين المراقبين، لجهة المحطات الأساسية، لكن الجميع يتفق على أن عدداً منها كانت مفصلية، ولها علاقة بالمخططات الإستعمارية للغرب. فكيف يمكن إثبات ذلك؟
يمكن تلخيص المسار التاريخي للأحداث الأهم بما يلي:
- إتفاقية "سايكس - بيكو" الإستعمارية، والتي اقتضت تقسيم الشرق الأوسط بين الدول الإستعمارية الغربية آنذاك. ليلحقها توقيع "وعد بلفور" البريطاني الذي هدف لشرعنة مسألة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين إسمه "إسرائيل". لينشأ مع النكبة الفلسطينية عام 1948 الكيان الإسرائيلي، والذي يبدو جلياً أنه نشأ على حساب الشعب الفلسطيني.
- انتهاء الحرب الباردة حلال التسعينات، وما لحقها من أحداث، مثل 11 أيلول 2001، والغزو الأمريكي لأفغانستان في العام نفسه، ثم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
- إغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005، ثم الحرب الإسرائيلية على لبنان خلال تموز عام 2006. ليلحق بعدها الإنسحاب الأمريكي من العراق، عام 2007. ثم بداية أحداث ما سُمي بالربيع العربي عام 2010، والتي أدت لإنهيار العديد من الأنظمة العربية، وصولاً للأزمة السورية والحرب الكونية على سوريا عام 2011، ثم العدوان السعودي الغربي على اليمن عام 2015.
يبدو واضحاً من خلال الأحدث التي ذكرناها، أن المسؤولية تتعلق بالغرب من حيث التخطيط والتنفيذ. فيما كان للكيان الإسرائيلي الدور الأبرز، في حشد الصراعات وتغذيتها، بصفته وكيل للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
آثار الصراعات ونتائجها الحالية
إن الواقع الحالي للشرق الأوسط، ونتيجة لمخططات الغرب، وصل الى مرحلةٍ يعاني فيها من التهديدات التي تحتاج للإنتباه، إما لمنعها أو التقليل من آثارها. وهو ما يتطلب العمل الدؤوب والوعي الكافي. فيما المطلوب أولاً، معرفة هذه التحديات، والتي نُشير لها بالتالي:
أولاً، إنتشار الإرهاب في المنطقة، وتصديره للخارج:
أصبحت منطقة الشرق الأوسط، بؤرة الإرهابيين، لا سيما بعد أن أمعنت الدول الغربية وبالتعاون مع الدول الخليجية، في إنشاء نواة الإرهاب ودعمها، من أجل التحكم بأنظمة الدول في المنطقة. لكن هذه الخلايا، باتت اليوم أكبر مما كانت تتوقعه هذه الدول، بل أصبح الإرهاب الذي صدَّره الغرب الى منطقة الشرق، تحدياً لها، خصوصاً بعد أن بدأت المجموعات الإرهابية والتي جاءت من أوروبا، بالعودة الى بلادها، وتشكيل تهديدٍ حقيقيٍ بانت مفاعيله من خلال الواقع الذي تعيشه أوروبا اليوم.
ثانياً، الحرب الأهلية في المنطقة، وتعميق الخلافات العرقية والمذهبية:
ليست مسألة تعميق الخلافات أمراً جديداً على الدول الغربية. فتاريخ هذه الدول لا سيما فرنسا وبريطانيا، وسجلُّها خلال انتدابها لدول الشرق الأوسط، مليء بالسياسات الجائرة بحق الشعوب، والتي لم تكن تختلف عن سياسات أمريكا والإحتلال الإسرائيلي اليوم. لنقول أن بث جذور الفتنة، وتعميق الخلافات، هو من التهديدات القائمة دوماً، وهو أسلوب هذه الدول لجعل نفسها المرجعية. مما يقتضي الحذر الدائم، والوحدة على الصعيدين العربي والإسلامي.
ثالثاً، زيادة التوتر بين المسلمين، وخلق الفتن بين السنة والشيعة:
شكَّلت مسألة تفعيل الصراع السني الشيعي وإرسائه كواقع في المنطقة، هدفاً من أهداف الغرب تجاه الشرق الأوسط. وذلك لما له من إنعكاسات في إضعاف الشعوب العربية والإسلامية وجعلها بحاجة للغرب. وهو الأمر الذي وللأسف إنجرفت فيه العديد من الأنظمة العربية، لأسباب تتعلق بضمان استمراريتها في الحكم. فيما كان الإرهاب التكفيري، السلاح الذي حاول الغرب من خلاله فرض واقعٍ من الصراع السني الشيعي، وهو الأمر الذي فشل الغرب فيه، نتيجة وعي الشعوب، لحقيقة عدم انتماء التكفيريين لأي طائفة أو دين. فيما تعمل بعض الأنظمة على تقوية العصب المذهبي. وهو ما سعت إليه السعودية من خلال إعلان حربها على إيران. فيما تؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن صراعها هو مع الطرف الأمريكي وليس الرياض، التي انجرفت لسياسات لا تتفق مع مصالح المسلمين والعرب.
رابعاً، هدر مقومات ومقدرات الدول الإسلامية لا سيما العلمية والعسكرية:
إن هجرة الأدمغة ونشر الجهل في منطقة الشرق الأوسط هو من الأهداف الأساسية للغرب، من أجل إضعاف دول المنطقة. لذلك نجد أن الدراسات، باتت تتحدث عن خطر النقص في التعليم جرَّاء الحروب العسكرية. ولعل آهم هذه الدراسات، كان التقرير الذي صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) خلال شهر آب من العام 2015، بناءاً لدراسة قامت بها في تسع دول وهي تركيا، سوريا، الأردن، العراق، فلسطين، لبنان، اليمن، ليبيا والسودان، خلُصت لنتيجة أن أكثر من 13 مليون طفل لا يرتادون المدارس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نتيجة الصراعات الحاصلة في المنطقة. وهو ما نسبته 40% من مجمل الأطفال. مما يدل على الخطر الكامن حول مستقبل التعليم في المنطقة. بالإضافة الى هجرة الأدمغة، يكمن الخطر في هدر المقدرات العسكرية للبلاد، في الحروب الداخلية والطائفية.
خامساً، القضاء على المنظمات الفاعلة على الصعيدين العربي والإسلامي:
إن الهدف من إنشاء المنظمات كجامعة الدول العربية ومنظمة العمل الإسلامي، كان إيجاد بنية تجمع المسلمين والعرب، لتقرير ما يخدم المصالح والتفاهمات العربية. وهو الأمر الذي وللأسف، استغلته السياسة الغربية والإمريكية، لبث الخلافات بين الفرقاء. فيما تم تحويل بعض المنطمات العربية الى منادية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي. الأمر الذي شكَّل تحولاً في أيديولوجية هذه الجمعيات وتوجهاتها.
تبدو التحديات التي تواجه الشرق الأوسط واضحة، لا سيما فيما يتعلق بمسؤولية الغرب فيها. لكن الأهم هو ضرورة الوعي لرصِّ الصفوف ومنع المزيد من النتائج السلبية.