الوقت- يعاني النظام المصري الحالي بقيادة السيسي من أزمات عدّة سواءً في الداخل أم في الخارج، فالوضعين الإقتصادي والأمني وإرهاب سيناء(ما يسمى بـ"أنصار بيت المقدس") والإخوان المسلمين من أبرز التحديات الداخلية لنظام السيسي، اما خارجياً فتعتبر شرعية النظام القائم من أبرز التحديات التي يسعى الرئيس المصري لتكريسها، كذلك الحادثة الإجرامية الأخيرة والتي أدت إلى مقتل 21 مصريًا قبطيًا على يد تنظيم "داعش" الإرهابي في ليبيا زادت الطين بلّة.
مصر ردّت سريعاً على الحادثة، حيث صرحت القوات المسلحة المصرية بأن القوات الجوية قامت بضربات انتقامية سريعة على بعض معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخيرة تابعة لـتنظيم"داعش" الإرهابي في درنة، وأنها عادت بعد الضربات لقواعدها بلا خسائر، وتداولت وسائل إعلامية أخبارا أن الضربة تسببت في وقوع 40 قتيلا من التنظيم الإرهابي، في المقابل أكد التنظيم عن طريق أحد حساباته الرسمية على تويتر المعنون بـ"ولاية برقة" أن الضربات لم توقع أي قتلى، وأنهم سيقتلون جميع المصريين في ليبيا، وسيمتد رد التنظيم حتى يصل إلى سيناء!. أما مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها فأعلن أن الضربات الجوية أوقعت عددا كبيرا من المدنيين قتلى بينهم أطفال ونساء، وقالت مصادر أخرى أن القتلى 7 مدنيين و17 جريحا، وطمأن البيان المصريين الموجودين بدرنة بأنهم في حسن ضيافة وأمان كما عهدوا منذ عقود، وأن الرد على حفتر ومن ورائه السيسي سيكون قاسياً وفي الزمان والمكان المناسبين بحسب البيان.
لم تكن الضربة الجوية الأخيرة التي شنها الجيش المصري هي الأولى من نوعها في عهد النظام القائم إلا أنها الأولى التي يعترف بها، ففي26 آب 2014 أقرت امريكا لأول مرة على لسان أحد المتحدثين باسم وزارة الدفاع الأمريكية الأميرال جون كيربي بأن مصر والإمارات نفذتا ضربات جوية مشتركة على أهداف عسكرية لفصائل إسلامية في ليبيا، كما أن صحيفة نيويورك تايمز ذكرت نقلا عن مسؤولين أمريكيين أن مصر والإمارات قامتا بضربات جوية سرا ضد مواقع تابعة لثوار طرابلس، والتي تقاتل ميليشيات مسلحة في العاصمة الليبية، وذلك في مرتين خلال الاشهر الماضية.
تداعيات الحادث تؤكد أن للسيسي أهدافاً كبرى وصغرى عند الجار الليبي، خاصةً أن الرئيس المصري دعا بالأمس إلى تدخل عسكري دولي في ليبيا بقرار من مجلس الأمن الدولي الذي من المقرر أن يعقد جلسة طارئة لمناقشة محاربة الإرهاب في ليبيا اليوم، وقال السيسي في مقابلة بثتها إذاعة «أوروبا 1» الفرنسية أمس: إنه «ما من خيار آخر في ضوء موافقة شعب ليبيا وحكومتها ودعوتهما لمصر بالتحرك». وأوضح السيسي لراديو «أوروبا 1» أنه يرغب في الحصول على قرار من مجلس الأمن لتشكيل تحالف بشأن ليبيا. في السياق نفسه يشير مصدر حكومي رفض الكشف عن اسمه إلى احتمال إرسال الفرقة 999 المصرية المختصة بمكافحة الإرهاب للقتال مع قوات خليفة حفتر الليبية المتحالفة مع مصر.
دعوة السيسي تطرح الكثير من التساؤلات، فهناك العديد من الخبراء العسكريين يؤكدون رفضهم للتدخل البري في ليبيا لأن ذلك سيعرض القوات لما يعرف بـ«حرب الجبهات المفتوحة»، كما حدث فى اليمن فى الستينيات، وكانت عواقبه سيئة للغاية، كما أن التدخل العسكري يعرض أكثر من مليون عامل مصري في ليبيا إلى الخطر، فضلاً عن كون الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من إستنزاف الجيش المصري، فما هي أهداف السيسي الكبرى والصغرى التي يبحثها في ليبيا؟ وماذا يريد الغرب من مصر؟
عندما نطالع تصاريح بعض الإعلاميين المقربين من أجهزة سيادية رفيعة نرى أن التدخل المصري في ليبيا هو عن سابق تصميم وإرادة ولعل مقتل المصريين كان بمثابة الشعلة لهذا الفتيل، فقد أعلن توفيق عكاشة قبل 6 أشهر أن مصر ستدخل حربا في ليبيا خلال ستة أشهر.
عطفاً على ما سبق يتضح أن للسيسي أهداف عدّة في ليبيا، ولربما يريد الوصول عبر أهدافه الصغري إلى الأهداف الكبرى، فالرئيس المصري يريد القضاء على قوات فجر ليبيا، والتي تشكل حالة من الإسلام السياسي في ليبيا والمدعوم من تركيا قطر والسودان، تماماً كما فعل في الداخل المصري.
الهدف الثاني للسيسي ضمن الأهداف الصغرى هو تطبيق النموذج المصري في طرابلس بقياد العسكر، المتمثل بحليفه "خليفة حفتر"، الذي بدوره يقوم بعزل الإسلاميين وإقصائهم من الحكم. أما الهدف الأخير ضمن الأهداف المذكورة هو توفير الأمن لمصر، ومنع دخول التكفيريين عبر الحدود، لأنه متهم ومحرج أمام الشارع المصري حاليا بعدم قدرته على توفير الأمن والأمان والاستقرارالذي لطالما نادى به.
أما الأهدف الكبرى للسيسي أو بالأحرى غايات الرئيس المصري هي كالتالي: إضفاء نوعاً من الشرعية داخلياً وخارجياً على نظام حكمه، عبر ضرب الإخوان في ليبيا وبالتالي تعزيز موقعه خارجياً عبر ايجاد حليف يناهض الإسلام السياسي، وإحكام قبضته داخلياً عبر إسكات الأصوات المخالفة، والتبحر في مواجهة الإخوان لتكريس الحكم.
الغاية الثانية للسيسي هي تعزيز الأمن في الداخل، وهذا ما يحتاجه لتلميع صورة نظامه في الخارج وإجبار الغرب على القبول بنظامه والإعتراف بمشروعيته، مع العلم أن الأمريكيين ساعدوه في عزل الإخوان، أما اليوم يريدون عبر الورقة نفسها الضغط على السيسي لتحقيق مصالحهم في مصر، وما التشريق المصري إلى روسيا والصين عن تكريس شرعية النظام ببعيد.
بالنسبة للأهداف الامريكية في القاهرة، فإن توقيت الهجوم على المصريين يأتي بعد تقاربهم مع الشرق (روسيا والصين)، كما أنه حدث بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة والذي حظي بحفاوة كبيرة مما يطرح الكثير من التساؤلات حول الجهات الحقيقة التي تقف خلف هذا الهجوم، ولا شك أن أي تدخل للجيش المصري خارج الحدود سواء أدرك السيسي أم لم يدرك، هو بمثابة إغراق للجيش في المستنقع الليبي، وكذلك إضعاف للحلقة الأخيرة والأقوى في الجيوش العربية خدمةً للكيان الإسرائيلي، تماماً كما حصل في العراق وسوريا، وهذا ما تريده أمريكا حالياً من القاهرة.
قد يحصل الرئيس المصري على ما يريد من المجتمع الدولي (بعد إعطائه ضمانات للجانب الأمريكي)، لا لعيون السيسي أو الشعب المصري إنما خدمةً للمشروع الأمريكي وتحقيقياً لأهداف الكيان الإسرائيلي المستفيد الأكبر من إضعاف الجيش و حالة عدم الإستقرار في مصر، فاعتبروا يا أولي الأبصار.