الوقت- على الرغم من الضغط الكبير الذي مارسه الأمريكيون على الحملة الداعية لانفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي إلا أنها لم تتمكن من تحقيق المطلوب من هذه الضغوط و نجحت الحملة المقابلة في استفتاء الإنفصال عن الإتحاد الاوروبي، و لكن ما الذي كان يقف وراء هذه الضغوط و ما الخسائر التي ستتكبدها أمريكا من هذا الإنفصال؟ و هل بدأت تتبين أولى بوادر هذه الخسارة؟ و ماذا عن تأثير هذا القرار على قدرة تأثير أمريكا على القرار الأوروبي في سياساته اتجاه روسيا و العالم كافة؟
أمريكا تعترف بخسائرها المحتملة جرّاء الانفصال البريطاني عن اوروبا
صرح مكتب الابحاث المالية التابع لوزارة الخزانة الأميركية أن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي يمكن ان يهدد الاستقرار المالي للولايات المتحدة بسبب علاقاتها الوثيقة مع المملكة المتحدة.
ولفت المكتب المكلف مراقبة المخاطر المالية في تقرير، الى انه يمكن للصدمات القادمة من المملكة المتحدة ان تهدد الاستقرار المالي في الولايات المتحدة. واضاف مكتب الابحاث المالية ان ازمة الدين العام في اوروبا (2010-2012) لم تزعزع استقرار الولايات المتحدة، لكنه دعا الى ان الامر قد لا يكون كذلك مع خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي. وقال التقرير ان هذا الامر الواقع لا يضمن اي مقاومة في المستقبل.
واوضح التقرير ان النتيجة النهائية والاوضاع الانتقالية يمكن ان تسبب صدمات اكبر في مجال الثقة في اوروبا وقد تنعكس على الولايات المتحدة. وذكر المكتب ان قيمة الاموال الأميركية المعرضة للخطر في المملكة المتحدة تبلغ 2100 مليار دولار اي 11,3 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي للولايات المتحدة ويمكن ان تتحول الى خسائر اذا تراجع سعر العملة او حدثت تقلبات كبير. من جهة اخرى، في حال شهدت بريطانيا انكماشا اقتصاديا فان الطلب على الصادرات الأميركية سيتراجع مما قد يؤدي الى تباطؤ طفيف في وتيرة النمو في الولايات المتحدة.
وتابع التقرير ان عدم استقرار مالي متزايد في بريطانيا يمكن ان يلحق اضرارا دائمة في ثقة المستثمرين في العالم. واشار مكتب الابحاث المالية الى ان التصويت على الخروج من الاتحاد الاوروبي ادى الى تراجع مردود سندات الخزانة الأميركية الى مستويات تاريخية مما قدم تشجيعا اضافيا للمستثمرين للافراط في الاستدانة والمجازفة.
ويكمن الخطر الاساسي في نتيجة المفاوضات الشاقة التي تستعد لندن لاجرائها مع الاتحاد الاوروبي من اجل بدء تسوية خروجها من الكتلة الاوروبية طبقا لنتائج الاستفتاء الذي اجري في 23 حزيران.
الخسارة الأمريكية لم تقتصر على الإقتصاد
من العروف أن التجمع الأوروبي المُتحد، هو عبارة عن السلة التي تحتوي كافة الدول الأوروبية بالنسبة للأمريكيين بحيث يمكن من خلال ذلك التأثير على كافة دول أوروبا، دون الحاجة الى نسج علاقاتٍ أحادية مع كل دولة، فيكفي بناء علاقات مع الدول الكبرى في هذا الإتحاد لوضع اليد على القرار الأوروبي كاملاً و هذا ما حصل.
الأمر يُعتبر منطقياً في سياسات أمريكيا الخارجية، حيث أن قدرة واشنطن على فرض خياراتها، وسعيها للتدخل في شؤون الدول، يجعلها قادرة على معرفة كيفية الإستفادة من نظامٍ يجمع الدول الأوروبية، ويفرض بحد ذاته قوانين معينة.
وهنا فإن السعي الأمريكي للسيطرة على القرار الأوروبي ولو بنسبة شبه كليَّة، كان يهدف لسلب الطرف الروسي أو الإتحاد السوفيتي سابقاً، هذه الفرصة، التي قد يساهم فيها العامل الجيوسياسي الذي يربط روسيا بأوروبا.
ولأن النقطة السابقة، أي الجيوسياسية هي أساس في نسج العلاقات، فقد كانت بريطانيا بوابة أمريكا على دول أوروبا، وهو الأمر نفسه الذي ربحته واشنطن من خلال علاقتها الإستراتيجية ببريطانيا، والذي خسرته اليوم من خلال خروج الأخيرة من الإتحاد الإوروبي.
وليس بعيداً عن الإقتصاد، فإن تشكيل إتحادٍ أوروبي، قادر على المُضي في سياسات واشنطن، يجعله تكتلاً إقتصادياً موازياً للصين في نموها الإقتصادي العالمي. بل إن العقل الأمريكي أراد إضافة تكتلٍ إقتصاديٍ الى نفسه، لمواجهة المارد الصيني الصاعد.
بالإضافة الى السياسة والإقتصاد، فإن الجغرافيا تعني الكثير لدى المُخطط الأمريكي. فمن خلال التحالف الأوروبي، يمكن التقدم نحو شرق أوروبا، ومحاصرة روسيا، وهو ما يعني الكثير في السياسة الدولية.
إذاَ يمكننا القول انه تم إنتاج ما يُسمى بالإتحاد الأوروبي، لمحاصرة روسيا جغرافياً، عبر السيطرة على قرار قارةٍ كاملة، والعمل على منافسة الصين، والتي ما تزال تتعاطى ضمن سياسةٍ أقل حدة من روسيا تجاه واشنطن، لكنها استطاعت أن تكون القوة الإقتصادية الأكبر، إضافة للسيطرة على سياسة هذا التجمع الأوروبي الخارجية اتجاه العالم كافة و خاصة في القضايا الحساسة من خلال استخدام مونة او سيطرة أمركيا على صانعي القرار في هذا الإتحاد أي الدول الكبرى فيه كبريطانيا مثلاً، و هنا تتمثل الخسارة الكبرى التي تكبدتها أمريكا من انفصال بريطانيا و تشتت القرار الأوروبي خاصة ان بريطانيا تعتبر الحليف الأساسي للأمريكيين في داخل الجسم الأوروبي.