الوقت- شكلت زيارة مستشار الأمن القومي الباکستاني "ناصرخان جنجوعة" لإیران، محط اهتمام المحللين في العالم. فالزيارة ليست فقط لبناء علاقاتٍ بين بلدين، على قدر ما تعنيه من ترسيخٍ لواقع العمل المشترك بين الجارين الذين تحكمهم الجغرافيا السياسية. وهو ما يمكن أن يكون رسالة واضحة لجميع المعنيين في المنطقة والعالم، حول أهمية الدور الإيراني، لا سيما بالنسبة للدول المحيطة. الى جانب أن الزيارة توضح فشل المساعي السعودية في فك إرتباط هذه الدول بإيران. فماذا في زيارة المسؤول الباكستاني؟ وكيف يمكن قراءة دلائلها وأهدافها؟
زيارة المسؤول الباكستاني
وصل مستشار الأمن القومي الباکستاني ناصر خان جنجوعة لإیران، في زيارةٍ مهمة، تهدف لدعم أسس العلاقات الودیة بین طهران وإسلام أباد، لا سیما فی المجالات السیاسیة والأمنیة، ولتعزيز التعاون في مجال مکافحة الإرهاب. وسيتضمن برنامج لقاءات المستشار الباكستاني، عدداً من الشخصيات المفصلية في السياسة الإيرانية، وهو ما بدأ من خلال لقاءاتٍ جرت.
من جهةٍ أخرى، أصدر مکتب رئیس الوزراء الباکستاني بیاناً حول زیارة مستشار الأمن القومي الباکستاني لطهران، أکد فیه أن إسلام أباد تولی أهمیة کبیرة لعلاقاتها مع إیران کبلد شقیق وصدیق وجار لها. فيما خرج المحللون الباكستانيون، للحديث عن أهمية الزيارة، حيث أشار "حسن عسکري رضوي" استاذ العلوم السیاسیة فی جامعة بنجاب الباكستانية، علی الحاجة الضروریة لإستمرار المشاورات والزیارات واللقاءات بین المسؤولين الإيرانيين والباكستانيين، على الصعد كافة. مؤكداً ضرورة تعزیز العلاقات الودیة بین البلدین الجارین، من أجل التشاور في الشؤون الدولیة، والتعاون فی مجال مکافحة الإرهاب وتهریب المخدرات والأمن الحدودي بین البلدین.
تجدر الإشارة الى أن زيارة المسؤول الباكستاني اليوم، تأتي رداً على زيارة سابقة، قام بها أمین المجلس الأعلی للأمن القومي الإیراني، علي شمخاني الى إسلام أباد فی تشرين الأول من العام الماضي.
دلائل الزيارة
إن أهم ما يجب الإجابة عنه، هو دلائل الزيارة. الأمر الذي سنشير لها بالتالي:
-التأكيد على مركزية العلاقة بين البلدين. والتي تعود لأسباب تتخطى الجغرافيا نحو السياسية، حيث أن ايران كانت أول دولة، تعترف بإستقلال باكستان عام 1947، كما أن باكستان كانت أول دولة تعترف بالجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979.
- لتأكيد على أهمية وضرورة حفظ الأمن المشترك بين البلدين، ومواجهة التحديات التي تتعلق بالإرهاب، والعمل على التعاون من أجل ضبط الحدود، لمحاربة تهريب المخدرات والسلع والسلاح وضبط العناصر المتسللة عبر الحدود. الى جانب التأكيد على تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين والتي تم التوصل لها عام 1993.
- العمل على تعزيز أطر العلاقات الثنائية بين البلدين، ومنع محاولات أي طرف ثالث من العمل على بث الشرخ والتفرقة بين البلدين الجارين.
- التأكيد على أهمية التعاون بين البلدين من أجل حل كافة القضايا الإقليمية، وبالتحديد ما يخص قضايا العالم الإسلامي.
-الإستفادة من الأجواء السياسية لا سيما بعد الإتفاق النووي، ومحاولة تعزيز العلاقات الإقتصادية والمضي قدماً في التعاون بين البلدين في هذا المجال، لا سيما في مشاريع الكهرباء والغاز المشتركة
-تقوية التعاون الموحد مع الأطراف كافة من أجل محاربة الإرهاب كتهديد مشترك للبلدين.
-التأكيد على استمرار برامج الوفود المتبادلة بين البلدين، على الصعد كافة السياسية والإقتصادية والأمنية، وذلك لبناء أرضية للتعاون المستقبلي.
أهداف الزيارة
لا شك أن الزيارة الى جانب دلالاتها، تتضمن العديد من الرسائل والأهداف. وهو ما يمكن الإشارة لها بالتالي:
-تعود الجغرافيا السياسية، لتكون السبب في نسج العلاقات في المنطقة. وهو الأمر الذي يفرض على الدول الجارة، أن تلتفت له. مما يجعل الزيارة نجاحاً لمبدأ التعاون المشترك، لأهداف ليست فقط سياسية أو أمنية، بل تعود لحكم الجيرة والجغرافية السياسية بين البلدين. مما يعني أن أرضية العلاقة الإيرانية الباكستانية قوية، واستراتيجية، ولا يمكن أن تكون آنية.
- تشكل زيارة الموفد الباكستاني، رسالة الى السعودية، بأهمية تقدير باكستان للدور الإيراني في المنطقة، الى جانب أهمية تقوية العلاقة معها بحكم المصالح السياسية والأمنية المشتركة. وهو الأمر الذي طالما حاولت السعودية جاهدة، من أجل منعه. حيث اعتمدت الرياض سياسة فك إرتباط بعض الدول المحيطة بإيران، بالجمهورية الإسلامية، وهو ما حاولت القيام به مع باكستان. فيما استطاعت تحقيق بعض النجاحات في هذا المجال لأسباب سياسية وإقتصادية.
- وهنا خرجت العديد من الأصوات، للتحذير من سياسة الرياض تجاه هذه الدول. حيث بالنسبة لأهمية الزيارة التي يقوم بها المسؤول الباكستاني الى إيران، فإنه من المحتمل أن تقوم وسائل الإعلام المرتبطة بالسعودية بالترويج لفشل الزيارة أو التقليل من أهميتها، من أجل التأثير السلبي على العلاقات بين البلدين. فيما يُشير الكثير من الخبراء، الى صعوبة تحقيق ذلك اليوم، لا سيما في ظل التغيرات التي تعصف بالمنطقة، وأهمية الجغرافيا السياسية بين البلدين.
جاءت زيارة المسؤول الباكستاني، لتكون بحد ذاتها، دليلاً على أهمية العلاقات بين باكستان وإيران. وهو ما يعني فشل المحاولات السعودية كافة، والتي هدفت لإضعاف علاقة بعض الدول بالجمهورية الإسلامية. في وقتٍ عادت الجغرافيا السياسية، لتقول كلمتها، وتؤكد على صلابة العلاقة بين البلدين، ليس فقط بحكم المصالح، بل بحكم الجيرة والتهديدات والتحديات المشتركة.