الوقت- بعد توقيع حزب الإتحاد الوطني الكردستاني العراقي وحركة التغيير"كوران" إتفاقية تعاون سياسي وبرلماني، ولقاء الوفد الذي مثّل الجانبين برئيس الوزراء حيدر العبادي بهدف تقديم رؤية جديدة لتسوية القضايا العالقة بين بغداد وأربيل، أثيرت العديد من التساؤلات بشأن مستقبل إقليم كردستان وعلاقته مع الحكومة الإتحادية في بغداد، خصوصاً بعد إعلان الجانبين بأنهم سيندمجان في كتلة واحدة في البرلمان العراقي وداخل برلمان إقليم وكذلك في مجالس المحافظات.
ويعتقد المراقبون إن الخطوات التي إتخذها تحالف الإتحاد الوطني والتغيير تمثل في الحقيقة إنعكاساً للأزمة السياسية التي يعيشها إقليم كردستان منذ مدة طويلة، فيما رأى البعض في هذه الخطوات بأنها تستهدف التوجه السياسي لرئيس الإقليم مسعود بارزاني، الأمر الذي رفضه نواب التحالف وأكدوا بأن إتفاقهم ليس موجهّاً ضد أية كتلة سياسية في الإقليم، لكنهم أعلنوا في الوقت نفسه بأنهم لن يعيدوا بدء العملية البرلمانية المتوقفة في الإقليم إلاّ بعد أن تجتمع الرؤى بصورة صحيحة ومدروسة.
وينص الإتفاق بين الإتحاد الوطني والتغيير على أن الطرفين يفضلان أن يتم إنتخاب رئيس الإقليم داخل برلمان الإقليم، الأمر الذي يرفضه الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني ويصر على أن يكون الإنتخاب عبر الإستفتاء الشعبي المباشر، ويرى في الوقت ذاته بأن تحالف الإتحاد الوطني وحركة التغيير من شأنه أن يسهم بتوسيع الخلافات داخل الإقليم.
ونصّ الإتفاق بين الإتحاد الوطني والتغيير أيضاً على ضرورة إستئناف برلمان إقليم كردستان أعماله، دون قيد أو شرط بعد أن تعطل على خلفية الأزمة بشأن مستقبل رئاسة الإقليم إثر إنتهاء مدة ولاية مسعود بارزاني بشكل رسمي في 19 آب/أغسطس 2015م، حيث لا تسمح قوانين الإقليم بإعادة إنتخابه لولاية جديدة.
وكان الحزب الديمقراطي قد خسر الكثير من مقاعده في برلمان الإقليم بعد تمكن تحالف الإتحاد الوطني والتغيير من الفوز بأغلبية المقاعد، الأمر الذي ساهم أيضاً بتغيير المعادلة السياسية في الإقليم لصالح التحالف.
وعلى الرغم من إتفاق الاحزاب الكردية مبدئياً بشأن الإستفتاء على إستقلال إقليم كردستان عن العراق إلاّ أنهم يختلفون حول آلية هذا الإستفتاء وتوقيته. ففي الوقت الذي دعا فيه رئيس الإقليم مسعود بارزاني جميع القوى والأطراف السياسية الكردية إلى إجتماع خاص لبحث إجراء الإستفتاء، إشترط تحالف الإتحاد الوطني و"كوران" ضرورة إحراز موافقة برلمان الإقليم على هذا الإستفتاء بعد تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي الحاكم في الإقليم من رئاسي إلى برلماني، والذي من شأنه أن يتيح المجال لتغيير رئاسة الإقليم التي هيمن عليها زعيم الحزب الديمقراطي طيلة أكثر من عقد من الزمان.
ويعتقد تحالف الإتحاد الوطني والتغيير كذلك بأن الوقت لإجراء الإستفتاء بشأن إستقلال إقليم كردستان غير مناسب في المرحلة الراهنة بسبب الظروف غير الطبيعية التي يمر بها العراق في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والعسكرية وفي مقدمتها الخطر الذي تمثله الجماعات الإرهابية لاسيّما "داعش" على كافة شرائح وقوميات المجتمع العراقي بما فيهم الأكراد.
وتجدر الإشارة إلى وجود العديد من القضايا العالقة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد لاسيّما فيما يتعلق بتصدير نفط الإقليم إلى خارج العراق، والتخصيصات المالية التي يطالب بها الإقليم، وإنتشار قوات "البيشمركة" التابعة للإقليم في المناطق المتنازع عليها خصوصاً محافظة كركوك الغنية بالنفط، وكيفية إدارة شؤون المناطق التي تم أو سيتم تحريرها من سيطرة "داعش" لاسيّما محافظة الموصل المحاذية للإقليم الذي يمتلك برلماناً خاصاً به ووزارات وجيشاً "البيشمركة" وأجهزة أمنية خاصة به، وممثليات دبلوماسية وقنصليات في معظم بلدان العالم، بالإضافة إلى علاقاته الوطيدة مع الكثير من الدول لاسيّما الغربية وفي مقدمتها أمريكا.
كما تجدر الإشارة إلى أن الكثير من القوى والكيانات السياسية العراقية وفي مقدمها إئتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ترفض إنفصال إقليم كردستان وتعارض بشدة تقسيم العراق على أسس قومية أو طائفية وتؤكد على ضرورة بقائه موحداً في إطار الدستور ووفق الآليات التي إعتمدها في نظامه الفيدرالي الذي أقره عام 2005.
وفي الحقيقة هناك جملة من التحديات تحول دون إستقلال الإقليم في الوقت الحاضر على الأقل بينها التحديات الداخلية، حيث يفتقد الإقليم للتوافق السياسي بشأن هذا الموضوع، بالإضافة إلى الأزمة السياسية الحادّة التي يواجهها الإقليم بسبب تعطيل برلمانه منذ نحو سنة، إلى جانب التحديات الإقتصادية التي نجمت عن إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، والذي إنعكس سلباً على عائدات الإقليم، وهذا الأمر يشكل بحد ذاته عائقاً مهماً أمام إعلان إستقلال الإقليم خصوصاً في ظل الإنقسام السياسي الذي تعيشه الساحة الكردية بسبب وجود قوتين رئيسيتين إحداهما في أربيل تابعة للحزب الديمقراطي، وأخرى في السليمانية تابعة للإتحاد الوطني والذي شكّل ضربة للإتفاق الإستراتيجي القائم بين الجانبين منذ سنوات لتقاسم السلطة وفق مبدأ المناصفة.
لهذه الأسباب وغيرها يعتقد المراقبون بأن دعوة بارزاني إلى الإنفصال في هذا الوقت بالذات غير مجدية، ويرون كذلك بأن المعوق الأساسي لإستقلال الإقليم يرتبط بالدرجة الأولى بالخلافات الداخلية (الكردية - الكردية).