الوقت - نشرت مؤسسة "أمريكان إينتر برايز" تقريراً دعت فيه الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى تقديم إستقالته، محملة أيّاه مسؤولية تدهور الوضع الأمني في البلاد.
وأكدت المؤسسة أن من واجب أيّ زعيم وطني أن يقوم بالدرجة الأولى بتوفير الأمن لمواطني بلاده، والتفجير الأخير الذي شهده مطار "أتاتورك" في مدينة إسطنبول يدلل بوضوح على أن أردوغان لم يقمْ بواجبه كما ينبغي لحفظ الأمن والإستقرار في البلاد.
وأشار تقرير "أمريكان إينتر برايز" إلى أن سياسة أردوغان الذي يحكم تركيا بشكل فعلي منذ أكثر من عشر سنوات وعدم جدارته بشكل عام، أدت إلى أن تكون البلاد عرضة للتهديدات الأمنية وهجمات الجماعات الإرهابية.
وذكر التقرير أن تركيا تعاني اليوم من ثلاثة تحديات رئيسية على الأقل تتمثل بالمخاطر التي يشكلها تنظيم "داعش" الإرهابي على أمن وإستقرار البلاد، والتوتر المستمر بين حكومة أنقرة والقوى الكردية خصوصاً في مناطق جنوب وجنوب شرق البلاد، بالإضافة إلى الخلافات السياسية المتفاقمة بين حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بزعامة أردوغان مع القوى والتيارات المعارضة لاسيّما القوى اليسارية والراديكالية.
فتركيا التي دعمت الجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة لاسيّما "داعش" الذي لا يزال يحتل أراضي من العراق وما يسمى "جبهة النصرة" والتنظيمات التابعة لها والتي تسعى لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، باتت اليوم تواجه خطر هذه الجماعات التي لا تعترف بالحدود الرسمية بين الدول.
وكانت أجهزة الأمن التركية تغض الطرف في السنوات الماضية عن مرور الآلاف من الإرهابيين القادمين من دول أخرى لاسيّما من أوروبا ودول آسيا الوسطى والقوقاز والذين عبر الكثير منهم من نفس "مطار أتاتورك" الذي تعرض مؤخراً لهجوم إرهابي لغرض تنفيذ عمليات إرهابية في العراق وسوريا تحت نظر حكومة أردوغان أو بدعم مباشر منها.
وامّا ما يتعلق بأزمة أنقرة مع الأكراد التي نجمت عن سياسة التمييز العرقي التي تنتهجها حكومة أردوغان، فيمكن القول بأنّ التوتر بين الجانبين قد تفاقم في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد تنكر أردوغان لوعوده التي أطلقها خلال حملته الإنتخابية لخوض السباق الرئاسي في آب/أغسطس عام 2014 والتي تعهد فيها بتغيير سياسته تجاه الأكراد إلاّ أنه لم يفِ بهذه الوعود بعد أن كسب أصوات الكثير منهم في تلك الإنتخابات التي أهّلته لتولي منصب الرئاسة.
وفي وقت سابق إتهم الأكراد حكومة أنقرة بالتقاعس إزاء ما حدث في مدينة "كوباني" وتعرض الأكراد السوريين للقتل من قبل عناصر تنظيم "داعش" وهو ما ساهم أيضاً في تعميق الانقسام بين الجانبين.
وعندما أدار الأكراد ظهورهم لأردوغان وقرروا دعم "حزب الشعوب الديمقراطي" الذي يقوده "صلاح الدين دميرطاش" المعروف بتوجهاته المعارضة لسياسة أردوغان قرر الأخير الإنتقام من الأكراد، وعمد إلى التفاوض مع زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان القابع في السجن منذ سنوات كممثل عن الأكراد رغم تصنيف أنقرة لهذا الحزب بإعتباره منظمة إرهابية وإتهامه بتنفيذ الكثير من العمليات الإرهابية ومن بينها التفجير الذي وقع في مدينة "سوروش" جنوب البلاد العام الماضي وخلّف 38 قتيلاً على الأقل.
ويبدو أن أردوغان لم يلتفت بعدُ إلى الأخطار المستقبلية لهذه السياسة التي بدأت نتائجها تظهر منذ فترة ليست بقليلة خصوصاً الإنقسام الحاد في المجتمع التركي والذي تجلى في الهجمات التي تعرضت لها المقار التابعة لـ "حزب الشعوب الديمقراطي" وإضرام النار في عدد منها.
وكان "صلاح الدين دميرطاش" قد حذّر في وقت سابق من نشوب "حرب أهلية قومية" نتيجة تنامي الإنقسام بين الأكراد والأتراك، معتبراً أنّ الأزمة في سوريا لها دور فيما يحصل في تركيا لأن أردوغان ينظر إلى أكراد سوريا وتركيا بعين واحدة.
وجاء هذا التحذير بالتزامن مع تقارير عديدة لدبلوماسيين وصحفيين غربيين وصفت ما يحدث في تركيا بأنه بداية لحرب أهلية، فيما تفرض حكومة أنقرة تعتيماً على الأحداث الأمنية في البلاد وتمنع الصحفيين من التجول بحريّة وتقصي الحقائق.
ويتردد صدى الحرب في كثير من مناطق تركيا، ويرتسم الخوف من تداعياتها على وجوه المدنيين، حيث تجوب الدبابات والعربات المصفحة الشوارع، فيما يقيم مسلحون أكراد متاريس في أحياء متفرقة لتحديد مناطق "الحكم الذاتي" الذي يسعون لتحقيقه.
وفيما يرتبط بالأحزاب الراديكالية الأخرى يمكن الإشارة إلى "حزب التحرر الشعبي الثوري" المعروف إختصاراً بـ "DHKP" الذي نظّم إعتصامات في العديد من المدن التركية بينها العاصمة أنقرة إحتجاجاً على سياسات أردوغان خصوصاً فيما يتعلق بمواقفه من الأكراد ودعمه للجماعات الإرهابية في سوريا والعراق.
من جانب آخر صعّد أردوغان من إجراءاته للتضييق على الداعية "فتح الله غولن" وقد تجلى ذلك بوضوح عندما وافق مجلس الوزراء التركي مؤخراً على تصنيف الحركة الدينية التي أسسها غولن كمنظمة إرهابية.
وبات "فتح الله غولن" يمثل مصدر تهديد لأردوغان الذي يتهمه بالتآمر للإطاحة به، بكل ما يمتلكه من نفوذ في المدارس الدينية والحياة الإقتصادية والقوات المسلحة وعلاقات مع دول غربية. وقد تم إغلاق شركات إعلامية مرتبطة بـ "غولن" وفُرضت الوصاية القضائية على عدد منها وأعتقل العشرات من موظفيها، فيما فقد المئات من أنصاره وظائفهم أو تم إبعادهم لمواقع أخرى.
إلى جانب ذلك هناك السياسة التصادمية التي إنتهجها أردوغان ضد خصومه والتي رافقت حركة قمع للحريات تجلت بوضوح بإغلاق العديد من الصحف وزجّ شخصيات إعلامية وصحفية في السجون.
وختمت مؤسسة "أمريكان إينتر برايز" تقريرها بالتأكيد على ضرورة إستقالة أردوغان من منصبه، معربة في الوقت نفسه عن إعتقادها بأنه لن يفعل لأنه لايشعر بالخجل، على حد تعبيرها. لكنها حذّرت من أن تركيا ستعيش أوضاعاً مزرية وكارثية خصوصاً على الصعيد الأمني وحرية الإعلام إذا ما بقي أردوغان على رأس السلطة.
وفي وقت سابق إعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية دعم أردوغان للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط لاسيّما "داعش" بأنه أتى بنتائج عكسية على تركيا، مشيرة إلى أن سياسة أنقرة القائمة على التدخل في شؤون الدول الأخرى قد وضعت أمن البلاد في خطر حقيقي وقد ظهرت ملامحه بشكل جلي في هجوم "مطار إسطنبول" الأخير.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن سياسة أنقرة لم تمضِ كما كان مخططاً لها من قبل، فالإرهابيون إلتفوا مثل الثعابين ليلدغوا الأيدي التي كانت تطعمهم من قبل، في إشارة إلى أردوغان.