الوقت- مازالت التحليلات والمقالات تترى بعد عملية شبعا البطولية التي قامت بها المقاومة الاسلامية التابعة لحزب الله ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي، وخاصة من اعلام الكيان الاسرائيلي، للوقوف على حيثيات ومداليل وانعكاسات هذه العملية، التي فاجئت الاحتلال في وقت كان في قمة الجهوزية والاستعداد، وكذلك التوقعات لما سيلحقها، خاصة وان حزب الله اكد ان هذا اول الغيث، وان على الكيان الاسرائلي ان ينتظر المزيد، كما انها تتناول مستقبل المواجهة بينه و بين محور المقاومة والممانعة في المنطقة.
وخلال السنوات الماضية تعلم المستوى السياسي والأمني في “الكيان الاسرائيلي” التعامل بجدية بالغة وبأهمية كبيرة مع خطابات الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، ولكن الصهاينة قاموا بشطب عدد من الأقوال التي أدلى بها، والتي كانت برأيهم اندفاعية وصاخبة وتتضمن تهديدات فارغة، ولكن مع ذلك، فإن صناع القرار في تل أبيب، يرون بخطابات السيد نصر الله مادة ممتازة لفهم و تحليل سياسة حزب الله.
هذه الأقوال، نقلتها صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية عن محافل سياسية وأمنية رفيعة المستوى في تل أبيب، وجاءت في إطار تحليل أعده المحلل العسكري للصحيفة، عاموس هارئيل، عن انتهاء فترة الجنرال بيني غانتس، القائد العام لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي.
وتابع المحلل الإسرائيلي قائلا إنّه على الرغم من أن الأمين العام لحزب الله حاول صنع توازن بين نتائج عملية القنيطرة، التي نفذت في الـ 18 من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، والمنسوبة ل”إسرائيل”، وبين عملية مزارع شبعا، التي نفذها حزب الله، وأدت إلى قتل ضابط وجندي إسرائيليين وإصابة آخرين، فإنه يستشف من خطاب نصر الله، سياسة حزب الله في المستقبل المنظور: وبحسب هارئيل فإن نصر الله يحاول تكريس معادلة الردع، والتي كان فيها واضحا جدا: إذا تعرض لاعتداء من قبل “إسرائيل”، إن كان في لبنان أو في سورية، فإن الرد العسكري من حزب الله آت لا محال، على حد قول المحلل، المقرب جدا من المؤسسة الأمنية والعسكرية في “الكيان الاسرائيلي”. وتابع قائلاً، نقلاً عن المصادرعينها، إنه بغض النظر عن المناوشات التي وقعت مؤخرا بين “إسرائيل” وحزب الله، فلا يمكن بأي حال من الأحوال، التغاضي عن الترسبات العميقة التي تركتها حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006، لافتا إلى أنه خلافا لإدعاءات “إسرائيل” وحزب الله، وكيفية عرض الأمور، فإن النتيجة الحتمية تؤكد بشكل غير قابل للتأويل بأن الردع، وبصورة واضحة للغاية، قائم من كلا الطرفين، على حد قوله.
بالإضافة إلى ذلك، قال المحلل إن الجيش الإسرائيلي لن يتمكن من إعطاء الدفاع عن كل شيء، ذلك لأن تنظيما مثل حزب الله سيجد دائما نقطة الاختراق، مع كل التحصينات الإسرائيلية، وبالتالي يمكن فهم أقوال نصر الله في خطابه الأخير يوم الجمعة الماضي، بأن حزب الله قادر على توجيه الضربة العسكرية ”لإسرائيل”، على الرغم من الاستعدادات التي قام بها الجيش الإسرائيلي، لافتا إلى أن عملية مزارع شبعا أثبتت بشكل لا لبس فيه أن حزب الله هو منظمة طموحة، ماهرة وبارعة، بحسب جميع المقاييس، مشددا على أن المسافة لم تكن كبيرة بالمرة من إلحاق إصابات كبيرة جدا في صفوف الجيش الإسرائيلي في عملية مزارع شبعا وفي العملية التي سبقتها والتي قام فيها حزب الله، في تشرين الثاني (أكتوبر) من العام الماضي ضد دورية للجيش الإسرائيلي أيضا في مزارع شبعا، على حد تعبيره.
وأشار هارئيل أيضا إلى أنه في هذه الفترة الزمنية بالذات، فإن “إسرائيل” وحزب الله ليسا معنيين بإعادة أعمال القتل والتدمير التي ميزت حرب لبنان الثانية، لعلمهما الأكيد، بأن النتائج المترتبة على المواجهة الجديدة سيكون لها أثارا مدمرة أكثر بكثير من مخلفات حرب لبنان الثانية، وذلك لأن الطرفين طورا أسلحتهما بشكل كبير، إن كان ذلك نوعيا أو كميا، على حدّ قوله.
وأوضح أنه بعد المناوشات الأخيرة يسود الانطباع بأن الحدود الشمالية مع لبنان وسوريّة عادت إلى مجراها الطبيعي، ولكن التحدي، الذي ما زال يقض مضاجع كبار قادة الجيش الإسرائيلي، أضاف هارئيل، ما زال قائما: كيف يمكن لإسرائيل أن تبطل مفعول أي صاروخ ضد الدبابات أو أي عبوة ناسفة في الإطار نفسه، ومنعهما من الانجراف إلى جبهات أخرى، لافتا إلى أنه عندما تقرر “إسرائيل”، وبالمقابل حزب الله في الشمال وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الجنوب، اتخاذ القرار بالهجوم، فإن المعادلة بعد الأحداث الأخيرة باتت واضحة المعالم: الدرس يكون، ولا أيّ شيء يمنعه.
ولفت أيضا إلى أن الحكمة تكمن في دراسة تداعيات الضربة، وماذا سيكون المجال الثالث والرابع في التدحرج، أو بكلمات أخرى هل بقيت إمكانية لمنع التصعيد والانجرار إلى مواجهة كاملة وواسعة، موضحا أنه في الشمال، أي مع حزب الله، قرر الطرفان الإسرائيلي وحزب الله، الحفاظ على الحكمة وعدم الانجرار إلى حرب واسعة، بحسب تعبيره.
أمّا فيما يتعلّق بفترة الجنرال غانتس في قيادة هيئة الأركان، فقال المحلل إنّ ما يميزها هو الحرب الأخيرة التي شنتها “إسرائيل” ضد قطاع غزة في صيف العام 2014، مشددا على أن الجولة الأخيرة من تبادل الضربات في الشمال كادت أن تحوله إلى قائد أركان مع حربين خلال فترته.
وكشف النقاب، نقلا عن المصادر الأمنية في تل أبيب، عن أن الأيام الأخيرة من فترة الجنرال غانتس، قبل أن يحل مكانه الجنرال غادي أيزنكوط (وهو أوّل جنرال من أصول مغربيّة يصل إلى هذا المنصب)، تتميز بسبب الخشية الإسرائيلية من عملية غير متوقعة من حزب الله، أو من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أو من التنظيمات الفلسطينية، وذلك لخلق البلبلة في صفوف الجيش الإسرائيلي عشية تغيير القائد العام للجيش، بحسب قول المصادر الأمنية والعسكرية، التي وصفها المحلل بأنها رفيعة المستوى.
رأي اليوم