الوقت - زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما هيروشيما، المدينة اليابانية التي تحولت إلى أنقاض بعد إلقاء أمريكا قنبلةً نوويةً عليها في عام 1945. على الرغم من أن هذا القصف النووي أدی إلی مقتل 150 ألف من المدنيين اليابانيين، إلا أن أوباما أبقی علی سنة رؤساء أمريكا الآخرين على مدى نصف القرن الماضي ولم يعتذر.
لماذا لا يعتذر الأمريكيون بسبب هذا الدمار الرهيب بعد 70 عاماً ؟ الذريعة السائدة في وسائل الإعلام هي أن القصف النووي لهيروشيما وناغازاكي، کان أسرع طريقة لإنهاء الحرب العالمية الثانية، والتي قضت حتى ذلك الحين علی حياة الملايين من الناس. ولكن كما تری صحيفة "واشنطن بوست"، فإن هناك حجةً أخرى وهي أكثر شيوعاً وربما أكثر إقناعاً، وهي أن الاعتذار ليس ما تفعله أمريكا أو أي بلد آخر.
ولكن ما هي الجرائم الأخری التي يجب أن تعتذر أمريكا بسببها؟ (رغم علمنا أن جرائم أمريکا لا تحصی ولا تعد).
دعم دكتاتور الكونغو
کان باتريس لومومبا(Patrice Lumumba) أول رئيس وزراء الكونغو، والذي تم اختياره بصورة ديمقراطية. ومع ذلك فقد أطيح به بعد 12 أسبوعاً من توليه منصب رئاسة الوزراء، ثم اغتيل بعد ذلك بأربعة أشهر في 2 يوليو 1961. هذا الاغتيال جاء بعد سبعة أشهر فقط من استقلال الكونغو من بلجيكا وفي ذروة الحرب الباردة، ويعتبر كارثةً بالنسبة لهذا البلد.
بلجيكا قبلت دورها في هذا الاغتيال في عام 2002 واعتذرت رسمياً. من غير الواضح ما إذا كانت وكالة المخابرات المركزية علی علاقة مباشرة بهذه المؤامرة أم لا، ولكن من المعروف أن هذه الوكالة کانت تنفِّذ عمليات سرية واسعة في الكونغو في ذلك الوقت.
في تقرير عام 2001 الصادر عن لجنة بلجيكا في عام 2001، أُعلن عن أن أمريكا وبلجيكا نفذتا عدة خطط لاغتيال لومومبا. في واحدة من هذه المؤامرات، حاولت وكالة المخابرات المركزية الامريكية تسميم رئيس وزراء الكونغو، وذلك بأمر من الرئيس الأمريكي حينها "دوايت ايزنهاور".
سيدني غوتليب (Sidney Gottlieb)، الكيميائي في وكالة المخابرات المركزية، کان أحد العناصر الرئيسية في هذه العملية، وكان من المقرر أن ينتج سماً يشبه معجون الأسنان. في سبتمبر 1960، جلب غوتليب السم معه إلى الكونغو ليتم حقنه في معجون أسنان لومومبا. مع ذلك، واجهت هذه العملية معارضة لاري ديفلين (Larry Devlin)، رئيس مقر السي اي ايه في المنطقة، فتوقفت.
لكن مادلين كالب (Madeleine Kalb) وفي كتابها "برقيات الكونغو"، تتحدث عن طلبات ديفلين المتكررة لإزالة لومومبا. کما ساعد رئيس مقر السي اي ايه في البحث عن لومومبا ونقله إلى أعداءه في كاتانغا. کذلك کان رئيس مقر وكالة المخابرات المركزية في اليزابيث وايلي، علی تواصل مباشر مع القتلة الذين قتلوا لومومبا. وبالإضافة إلى ذلك، يقول جون ستوكويل (John Stockwell) في كتابه "البحث عن الأعداء: قصة وكالة المخابرات المركزية"، إن أحد عملاء المخابرات المركزية الامريكية وضع جثمان لومومبا في صندوق سيارته ليتخلص منه في مكان مجهول.
سرعان ما بدأت الحكومة الأمريکية بدعم الدكتاتور جوزيف ديزيريه موبوتو (Joseph-Desiré Mobutu) - الذي غيَّر اسمه لاحقاً إلى موبوتو سي سي سيكو (Mobutu Sese Seko) - ونظامه الفاسد بالكامل. واستمر هذا الدعم على مدى عقود، ولم تعتذر أمريكا بسبب ذلك أبداً.
إسقاط طائرة الركاب الإيرانية
في 3 يوليو 1988، استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية "يو اس اس فينسينز" عبر إطلاق صاروخين أرض-جو، الطائرة الإيرانية الرحلة 655. استشهد كل الركاب البالغ عددهم 290 وأفراد طاقم الطائرة التي أقلعت من بندر عباس إلى مطار دبي الدولي.
238 شخصاً من ركاب الطائرة کانوا إيرانيين، کما کان علی متنها أيضاً 13 إماراتياً، 10 هندياً، 6 باكستانيين، وستة من المواطنين اليوغوسلافيين وإيطالياً واحداً.
يدعي الأمريكيون أن طاقم سفينة "فينسينز" قد ظنوا بأن طائرة ايرباص 300A الإيرانية هي مقاتلة من نوع F-14. هذا على الرغم من أن "فينسينز" كانت مجهزةً برادارات أجيوس المتقدمة والتي يمكنها بسهولة الكشف عن هذه الطبيعة المدنية لهذه الرحلة. من ناحية أخرى کانت السفينتان الأمريكيتان الأخريان في المنطقة أي "سايدز" (Sides) و"مونتغمري" (Montgomery) قد حددتا الطابع المدني للطائرة. هذا بالإضافة إلى طاقم فينسينز قد تم تدريبهم للاشتباك المتزامن مع هجوم العشرات من مقاتلات العدو. فهل من الممكن أن نصدق أنهم عجزوا عن فهم الفرق بين طائرة مدنية وأخری مقاتلة؟
جورج بوش الأب الذي كان في ذلك الوقت نائب الرئيس الأمريكي، ومنشغلاً بحملة الانتخابات الرئاسية، قال حول هذا الحادث الإجرامي: "لن أعتذر أبداً نيابةً عن أمريكا، بغض النظر عن أنه ما هي الحقائق".
في عام 1996، عبر بيل كلينتون الرئيس الأمريكي حينها عن أسفه لهذا الحادث، ودفعت أمريكا 131.8 مليون دولار تعويضات لإيران، حيث دفع 61.8 مليون دولار من هذا المبلغ لأسر الضحايا. لكن الحكومة الأمريكية لم تعتذر أبداً جراء هذا الحادث أو لم تعترف حتى بخطئها.
تسلَّم طاقم سفينة فينسينز الحربية في نهاية مهمتهم أوسمةً من الحكومة الأمريكية تكريماً لخدمتهم، حتى أن ضابط تنسيق الحرب الجوية أيضاً قد تمت مكافأته لما قام به من إجرام. کما تلقى وليام روجرز (William C. Rogers III) قائد فينسينز، شارة الجدارة من الجيش الأمريكي في عام 1990. هذا ولم يحاكم أي من أفراد طاقم هذه السفينة الحربية بسبب استهداف طائرة الركاب الإيرانية وقتل 290 مدنياً.
غزو العراق وقتل مئات الآلاف
کان الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 واحدة من أكثر اللحظات المأساوية في التاريخ المعاصر. وعلى الرغم من أن هذه الحرب أدت إلی إسقاط الديكتاتور العراقي صدام حسين، ولکنها أدخلت المنطقة في أزمة لا تزال باقية حتى يومنا هذا. كانت هذه الحرب كارثيةً بالنسبة للشعب العراقي على الأقل، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة حول عدد الضحايا، ولكن العديد من الإحصائيات تظهر أن هذه الحرب أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن مئات الآلاف من العراقيين.
وذکر موقع "Iraqbodycount.org" أنه قتل في العراق حتى الآن 158 ألف و 901 إلی 177 ألف و 639 مدنياً. وأعلن الموقع أن العدد الإجمالي للوفيات بما في ذلك العسكريين يصل إلی 251 ألف.
کما ذکرت مجلة "بلوس مديسين" العلمية (PLOS Medicine) في دراسة شاملة أجرتها، أن أكثر من 460 ألف شخص فقدوا حياتهم بسبب الحرب في العراق بحلول نهاية يونيو 2011. وقتل 132 ألف شخص في أعمال عنف نجمت عن الحرب بشکل مباشر. وقد أجري هذا البحث على أساس وفيات حوادث العنف، الوفيات الناجمة عن زيادة الخروج علی القانون، تدمير البنية التحتية وکذلك الصحة العامة التي کانت ناجمةً عن الحرب.
جورج بوش الرئيس الأمريكي السابق الذي أصدر الأوامر لهذا الغزو، عبَّر عن أسفه علی استحياء بسبب المعلومات الخاطئة التي أدت إلى الحرب، ولكنه رفض المطالب الداعية إلی الاعتذار.