الوقت- بعد هزيمة تنظيم "داعش" الارهابي على يد الاكراد في مدينة عين العرب ( كوباني) السورية المحاذية للحدود التركية دخلت انقرة في مأزق جديد على جميع الاصعدة لاسيما الصعيدين السياسي والعسكري.
فأنقرة كانت تنظر لاحتلال داعش لاجزاء كبيرة من كوباني منذ نحو ستة اشهر بأنه يمثل انتصاراً لسياستها الرامية الى اسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد باعتبار ان هذه المدينة تشكل من الناحية الجغرافية حلقة الوصل بين الاراضي التركية والاراضي السورية التي تتواجد فيها الجماعات المسلحة المعارضة في هذا البلد من جهة، اضافة الى انها تمثل ممراً لتهريب النفط السوري الى تركيا من جهة اخرى.
ولا شك بأن كوباني كانت تحظى أيضاً بأهمية استراتيجية لأنقرة على الصعيد الميداني بهدف تحويلها الى ملاذ للمعارضة السورية وجعلها محطة لأدامة الفعل المناهض للنظام السوري الى جانب مساعيها في خلق كيانات سياسية كردية موالية لها في هذه المدينة لترجيح كفتها على القوة السياسية السائدة فيها وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي الكردي السوري.
وكانت أنقرة تعتقد بأن وجود داعش في كوباني من شأنه أن يبعد عنها خطر وصول السلاح إلى يد حزب العمال الكردستاني الحليف لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي يقود "وحدات حماية الشعب" في المناطق التي تسكنها غالبية من الاكراد خصوصاً في محافظات الحسكة والرقة وحلب شمال وشمال شرق سوريا.
والآن تخشى تركيا من حدوث اضطرابات قد تصل إلى عمق اراضيها خصوصاً بعد أن شهدت العديد من مدنها الجنوبية تظاهرات احتجاجية ضد موقفها من هجوم داعش على كوباني، والتي انتهت بمواجهات مع قوات الأمن سقط فيها عشرات القتلى والجرحى.
هذه المخاوف وغيرها، جعلت أنقرة في محنة حسابات في جميع الاتجاهات، فحدودها الجنوبية باتت غير آمنة بعد تزايد قدرة الاكراد الذين يشكلون القوى الأكبر على الأرض في محاربة داعش سواء في شمال العراق أو شمال شرق سوريا لاسيما في ظل التهديدات التي اطلقها حزب العمال الكردستاني من أن سقوط "كوباني" يعني نهاية عملية السلام الكردية التركية؛ هذه التهديدات التي جاءت بعد فشل مفاوضات "صالح مسلم" زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي مع رئيس الحكومة التركية "أحمد داوود أوغلو" حيث قرنت أنقرة حماية الأكراد في "كوباني" بثلاثة شروط: الأول: تخليهم عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وانضمامهم إلى الائتلاف السوري المعارض. والثاني: إلغاء الحزب الديمقراطي لمناطق الإدارة الذاتية في مدن "كوباني، عقرين، القامشلي". والثالث: تعهدهم بعدم القيام بأي إجراءات تصعيدية على الحدود السورية - التركية.
ويرى المراقبون أن القيادة التركية تسعى الآن إلى كسب الوقت لتجنب الدخول في مأزق متعدد الجذور والأهداف، لكن يبدو أن جميع الخيارات باتت محدودة أمام تركيا، خاصة بعد إحاطة حدودها الجنوبية بجماعات مسلحة سيطرت على منافذ هامة تمتد على طول هذه الحدود، وبعد إعلان الكرد تشكيل مجالس الإدارة الذاتية في المناطق ذات الغالبية الكردية القريبة من هذه الحدود.
ولابد من الاشارة هنا أيضاً الى أن هزيمة داعش في كوباني أفشلت فكرة تسويق مشروع ما سمي بـ "المنطقة الآمنة" في شمال سوريا تحت ذريعة توفيرالحماية للنازحين السوريين والذي سعت له انقرة باعتباره يمثل حجر الزاوية لحماية مصالحها في هذه المنطقة.
وبذلك تكون جميع الرهانات التي عولت عليها القيادة التركية في اسقاط نظام بشار الاسد قد فشلت فشلاً ذريعاً واحدة تلو الاخرى، بدءاً بتجربة «الجيش الحر»، وصولا الى «جبهة النصرة» وانتهاءً بداعش، وفشلت معها كل محاولاتها لاقناع الاطراف الدولية بهدف دفعها لتبني برنامجها في مواجهة دمشق، وباتت انقرة تعيش في عزلة واضحة في المنطقة بعد تفوق محور دمشق - بغداد وضعف محورها الداعم لداعش اثر الهزائم الكبيرة التي تلقاها هذا التنظيم الارهابي على يد القوات الشعبية والقوات الحكومية في هذين البلدين.