الوقت- لمساته ظهرت في جرف الصخر وآمرلي، ولاحقاً الرمادي، لينتقل بعدها إلى إدلب السورية فمدينة حلب، واليوم تطلب الأمر إستشارته لوضع اللمسات على مستوى التنظيم والتكتيك في معركة الفلوجة، إنه رجل المواجهة مع الجماعات التكفيرية ومن يقف خلفها، والملاذ الآمن عندما يشتدّ وطيس الحرب، إنه قائد فيلق قدس الإيراني اللواء "قاسم سليماني".
كثيرة هي الشهادات بحق هذا الرجل الخمسيني الذي قاد لواء 41 ثار الله إبان الحرب الإيرانية العراقية، فرغم تصنيفه فی لائحة ما تسمی بالإرهاب من قبل أمريكا، إلا أن هذا الأمر لم يمنع وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" من طلب لقاء "سليماني" الذي لا يعير أي إهتمام للظهور الإعلامي، لا بل يعتبر المواجهة مع أمريكا، جزء لا يتجزّء من المواجهة مع داعش التي إنصرف إليها بناءً على أوامر قائد الثورة الإسلامية السيد "علي الخامنئي".
رغم أنه رجل لا يظهر كثيرا في وسائل الاعلام ولا يظهر كثيرا في المناسبات الرسمية صاحب الشعر الفضي والابتسامة الهادئة، إلا أنه سيطر على الخطوط العريضة للإعلامين العربي والعالمي حيث وضعت مجلة "نيوزويك" الأميركية على غلاف عدد من اعدادها صورة اللواء سليماني، بعنوان "إله الانتقام: قاتل أميركا.. والآن يسحق داعش"، تماماً كما يسيطر حالياً على عقول وقلوب الشباب العربي والمسلم الذي وجد في "سليماني" رجلاً تفتقده أركان البلاد.
ابن الحرس الثوري تدرج في المراكز القيادية بدءًا من قائد لواء ثار الله 41 التابع لمحافظة كرمان التي يعود إليها، ومن ثم حارساً للحدود الشرقية للبلاد حيث تنشط تجارة المخدرات على الحدود مع باكستان وأفغانسان، فضلاً عن تواجد حركة طالبان بشكل كبير في تلك الفترة التي سبقت وتزامنت مع الإحتلال الأمريكي لأفغانستان في العام 2001، لينتهي الأمر به كقائد لفيلق قدس التابع للحرس الثوري حيث نجح في جعله قوّة مرعبة لكافّة أعداء إيران.
لم تغب بصمات اللواء سليماني عن الضربات التي وجّهتها المقاومة العراقية للقوات الأمريكية في العراق، كما أن "الحاج قاسم"، كما يعرف بين الحرس الثوري، كان الرجل الأجنبي الأول الذي حضر إلى جانب القوات العراقية، العربية والكردية، السنية والشيعية، لحماية بغداد من سيناريو مشابه لما حصل في الموصل، ما دفع بالعراقيين للقول أنه " لولا مساندة إيران وتواجد اللواء "قاسم سليماني" في العراق، لكانت حكومة حيدر العبادي الآن خارج العراق".
اتسمت شخصية الحاج قاسم بوضوح الرؤية والهدوء، والإرادة القوية التي جعلته يحضر في كافّة الساحات، دون حضور واحدة وغياب الأخرى، وكما حما أسوار بغداد، حضر في ساحات دمشق، ليتوجّه بعدها إلى الخطوط الأمامية في كل من إدلب وحلب حيث تنتشر التنظيمات التكفيرية و الارهابیة، ويكتسب لقب "أقوى مسؤول أمني" في الشرق الأوسط.
رغم ظهوره القليل، إلا أن هيبة حضوره سرت إلى نفوس الأصدقاء والأعداء على حد سواء، ما دفع بأمريكا لإتهامه بالتدخل في العراق وزعزعة الأمن فيه.
سليماني نموذجاً
لماذا تخشى أمريكا الجنرال "سليماني" رغم أنه يعد الرجل الأقوى في مواجهة داعش التي تدّعي أمريكا مواجهتها؟"، سؤال باتت الإجابة عليه ضرورية وأكثر من ملحّة، لاسيّما أنها تعكس إجابة عن العديد من الأسئلة التي تتعلّق بأنشطة إيران الإقليمية.
نجح "اللواء سليماني" من خلال المعارك التي قادها في تقديم نموذج جديد وقوي، على حد سواء، ويخلو من الإزدواجية الأمريكية في التعاطي مع مسألة الإرهاب، فضلاً عن الحضور في الخطوط الأمامية التي أثبتت للقاصي والداني صدقية إيران في مواجهة الإرهاب. يختلف خطاب "سليماني" كثيراً عن الخطاب الأمريكي الذي يزج بالمقاتلين بين نيران داعش من جهة، والقوات الأمريكية من جهة آخرى، فالحاج قاسم يخاطب المقاتلين الذين أحبّهم وأحبّوه في الجبهة؛ "أن تقدّموا إلى الأمام وأنا أمامكم"، وهناك إختلاف كبير بين أن تقول للمقاتلين إذهبوا، وأن تقول لهم تعالوا، كما أوضح اللواء سليماني نفسه في إحدى خطاباته الأخيرة.
ولعل السمة الأبرز في فكر "سليماني" هو العداء التام لأمريكا بإعتبارها تقف خلف كافّة الازمات بدءاً من الحرب الإيرانية العراقية وصولاً إلى داعش الإرهابي، فالجنرال لا يكل ولا يمل عن التفكير والعمل لمواجهة المشروع الأمريكي وتنبيه الجميع من خطرها حتى عندما يحضر في الخطوط الأولية للمواجهة مع داعش.
إن نجاح اللواء "سليماني" في تقديم نموذج مقتدر كسر النموذج الأمريكي، وسرى إلى نفوس الشعوب العربية والإسلامية رغم أنف العديد من الحكومات الإقليمية والدولية، و ذالك يعد سبباً رئيسياً وراء الهجمات وحملات التشويه التي طالت اللواء"سليماني" سواءً في الفلوجة، قبلها أو بعدها. نموذج الجنرال لا يقتصر على المناطق العربية والإسلامية، بل الغربية حتى، حيث يصفه العديد من الكتاب برجل حرب الوكالة عن العالم كلّه ضد داعش الإرهابي.
إن أمريكا تخشى تكرار نموذج اللواء سليماني الذي قطع الطريق على مشاريعها في المنطقة، ولعل هذا ما قصده الإمام الخميني(قدسره)عندما قال: إننا سنصدر ثورتنا إلى كل العالم حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة.