الوقت- فجأة وبدون مقدمات، عاد نائب الرئيس المصري السابق محمد البرادعي الى الواجهة من جديد، ولكن هذه المرة ليس عبر وسائل التواصل الإجتماعي انما في حوار خاص أجراه مع صحيفة "دي برس" النمساوية فجّر خلاله العديد من المفاجآت من العيار الثقيل. البرادعي الملقب بـ"الغائب الحاضر بالتدوينات"، جرت العادة بأن يطل علينا عبر"تويتاته" الشهيرة كلما اشتعلت الأحداث في مصر.
بعد 14 أغسطس(فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة) غاب البرادعي عن الساحة المصرية، واكتفى بمتابعة المشهد السياسي خارجيًا، والتعليق على أحداث مصر الساخنة عبر مواقع التواصل الإجتماعي تارةً، وعبر المحاضرات والمقابلات الإعلامية آخرى.
بالعودة الى الحوار الذي أجراه رئيس منظمة الطاقة الذرية سابقاً محمد البرادعي مع صحيفة "دي برس" النمساوية، فقد أكد البرادعي إنه من المستحيل أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه فى مصر قبل ثورة 25 يناير بشكل كامل. وأضاف: أن العديد من أفكار وشخصيات النظام القديم قد عادت، إلا أن العودة الكاملة مستحيلة لأن ثقافة الخوف قد ولت.
وتابع قائلاً: إن مصر مجتمع غاضب بشدة، ولن يختفي الإسلاميون من الهواء، ومن الخطأ دفع الإخوان المسلمين إلى العمل السري، فمن يريد الاعتدال يجب أن يضم أتباع الإسلام السياسي، ومن يدفعهم إلى العمل السري، يحصد العنف والتطرف.
ووجه البرادعي، انتقادات لافتة إلى المؤسسة العسكرية المصرية، متهما إياها بالتمسك بامتيازات و"التلاعب بالموقف" خلال أحداث ما بعد عزل الرئيس محمد مرسي وقتل المعتصمين من جماعة الإخوان المسلمين، وأشاد بالتجربة التونسية التي ظل فيها الإسلاميون بالبرلمان، مشددا على أنهم يتعرضون للتشويه، ولكن لا يمكن أن "يتبخروا في الهواء".
وردا على سؤال حول أسباب تأييده الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، قال إنه دعم إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لأن مرسي لم يكن قادرا على إدارة الأمور. وأضاف: إن مرسى ارتكب خطأ عندما لم يقبل بإجراء انتخابات مبكرة، فقد كانت الفكرة حينئذ أن يذهب مرسي ويبقى الإخوان مشاركين، وبعد أسبوع من الثالث من يوليو، تمت دعوة الإخوان إلى اجتماع لمناقشة المصالحة، لكنهم لم يفعلوا لأن مرسي قد تم احتجازه.
وتناول حديث "البرادعي" علاقته بوزير الدفاع آنذاك، عبدالفتاح السيسي، موضحًا: "كنت دائمًا على اتصال معه، وكذلك مع وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ومفوضة السياسة الخارحية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون. السيسي كان دائمًا في الصورة، قال إنه يريد حل سياسي، ماذا حدث بعد ذلك؟ لا أعلم".
واتهم البرادعي في حديثه للصحيفة النمساوية المجتمع الدولي بالعجز، وقال إنهم تفاجأوا الآن بوجود داعش، لكن من خلق داعش،انظروا إلى أفغانستان فمن دعم المجاهدين ضد الروس، وحمّل البرادعي الأمريكيين مسئولية ما نشهده اليوم.
حوار البرادعي الذي حمل في طياته رسائل عدّة، كان ايجابياً من حيث الشكل فاستقرار مصر يكون من خلال العودة لجماعة الإخوان المسلمين(الاسلام السياسي) ودون تهميش أي طرف على الساحة المصرية، كذلك انتقاده لفض المظاهرات في رابعة والنهضة بهذه الطريقة أمر لا ريب في صحته وصوابيته، كما أن انتقاده لعودة فلول النظام السابق"نظام حسني مبارك" الى الحكم، والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، والتوجّه نحو الديمقراطية وعدم العودة الى الوراء أمر في غاية الدّقة. لكن لماذا اختار هذا الوقت بالتحديد؟ لماذا هاجم أمريكا الذي يتقاطع حديثه مع سياستها؟ هل تعتبر الإنتخابات المصرية البرلمانية خلال شهر آذار المقبل سبباً في هذه التصاريح؟
السياسي المصري الذي يوصف برجل أمريكا في مصر اعترف خلال حواره أن جهات لم يسمها استخدمته لتمرير مواقفها السياسية في فترة معينة، ولو عدنا الى الماضي القريب لأذعنا أن أمريكا هي المحرك الأساسي لهذا الرجل، فالبرادعي رئيس منظمة الطاقة الذرية سابقاً أكد امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وبالتالي أعطى أمريكا تحت غطاء المجتمع الدولي ذريعة لضرب العراق، الاّ أنه تراجع عن تصريحاته في العام 2009 بعد أن فات المعاد، نكتفي بذكر هذا المثال لأن أمريكية البرادعي شمس لا يحجبها غربال السياسة.
لا يمكن فصل خطاب البرادعي الذي تم بتحريض من الليبراليين عن الإنتخابات التي ستجري الشهر القادم في مصر، فالسياسي المصري صاحب الهوى الأمريكي، يسعى لتنفيذ القرارات الأمريكية بالضغط على السيسي قبيل الانتخابات، لمشاركة الإخوان وحصول توازن سياسي في البرلمان المصري، توازن أرادته الادارة الأمريكية لتقسيم مصر وجعلها مكبلة غير قادرة على التأثير في الملفات الخارجية.
أمريكا لا تريد التدخل في الملف المصري بطريقة فاضحة خشيةً من عودة مصر الى الفلك الروسي أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وخاصةً أن التقارب المصري الروسي في الفترة الأخيرة، وكذلك زيارة السيسي الى موسكو لاقت استياء من المسؤولين الأمريكيين في واشنطن، لهذه الأسباب تسعى الإدارة الأمريكية وبطريقة غير مباشرة للتدخل في مصر عبر بعض الأدوات.
اذاً، تصاريح البرادعي بمثابة حملة جديدة يقودها من أجل إشراكه في المرحلة القادمة، وبالفعل بدأت بعض القوى المؤيدة له المطالبة بأن يدير هو الفترة الانتقالية، في حين قوبلت هذه المطالب برفض كبير من الثوار في الشارع، ولكن اعتراف البرادعي أنه استخدم"ستاراً"، بعد عزل مرسي، لا يعني أنه لم يعد كذلك الآن، لربما كان الستار في المرحلة السابقة أمريكي-مصري ولكن اليوم أصبح "أمريكي" بامتياز.