الوقت- شكّلت إستقالة كبير مفاوضي "الهيئة العليا للمفاوضات" (وفد الرياض)، "محمد علوش"، منعطفاً جديداً في الأزمة السورية، حيث باتت التساؤلات تتهافت من كل حدب وصوب على أبعاد هذه الخطوة وأهدافها.
وتأتي أهمية هذه الإستقالة لا لدور "علوش" نفسه الذي لا يملك مؤهلات وخبرات سياسة او دبلوماسية عالية تؤهله لتولي هذا المنصب، وفق العديد من الخبراء، بل بإعتبارها تميط اللثام عن تفاصيل المستجدات في المشروع السعودي تحت ذريعة ترتيب البيت الداخلي للمعارضة وذلك على خلفية التطورات الميدانية والسياسية المتلاحقة.
لم تكن إستقالة "علوش"، القيادي في جيش الإسلام والمقرّب من السعودية، والذي كان خطّها الأحمر في الفترة السابقة، أمراً منفصلاً عن الإرادة السعودية، بل تعتبر هذه الإستقالة، التي وضعها علوش في خانة " احتجاجا على فشل المجتمع الدولي في إنهاء معاناة الشعب السوري ووقف الأعمال العدائية للنظام السوري"، مقدّمة لخطوات لاحقة إتضحت بالأمس في "القمة الخليجية التشاورية"، رغم إعتبار العديد من المراقبين أنّ الإستقالات تأتي بقرار سعودي لتلبية شروط التأقلم مع التفاهمات الكبرى استباقاً للضغوط الدولية لإبعاد الفصائل المسلحة عن المفاوضات لارتباطها بالإرهاب، وكذلك على خلفية المعركة التي تخوضها سوريا وروسيا لإخراجه من الوفد المفاوض كشرط مسبق لقبول مفاوضات مباشرة مع جماعة الرياض.
المشهد السوري يتّجه نحو سخونة أكبر خاصّة أن روسيا كثّفت غاراتها الجوية على مواقع "جبهة النصرة" في سوريا حيث إستهدفت بالأمس مقرّاً قيادياً، في ظل تململ أمريكي أثار حفيظة موسكو لعدم إهتمام واشنطن بالعرض الروسي في شن غارات مشتركة على فصائل سورية مسلحة، غير المشمولة باتفاق الهدنة بينها "جبهة النصرة". لن تقتصرالسخونة الجديدة التي من المتوقّع أن تتحوّا ناراً وشنّاراً على المنطقة وشعوبها كلما إقتربنا من موعد الرئاسة الأمريكية، على طرف واحد، بل ستشاطر تركيا السعودية في تسخين الجبهة الشمالية في سوريا، سواءً من الأكراد أو الجيش الشوري وهذا ما شاهدناه بالأمس عبرتعزيزات عسكرية أرسلتها أنقرة لمساعدة الجماعات المسلحة في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي.
التفسيرات لهذه الخطوة السورية في الشكل السعودية في المضمون عديدة، وتعكس الموقف السياسي والعقائدي لاصحابها، والخندق الذي يقفون فيه، كما تكشف أهداف الرياض في تمديد زمن المفاوضات عبر عرقلتها بين الحين والآخرى، علّها تنجح في تحقيق ما فشلت في تحقيقه في الميدان سابقاً والمفاوضات لاحقاً.
لا يختلف حال المفاوضات اليمنية عن نظيرتها السورية من حيث المضمون حيث تسعى الرياض لتمديد المفاوضات في كلا الجبهتين حتى الإنتخابات الرئاسيّة الأمريكية. السعودية تسعى اليوم لنقل الملف السوري إلى الإدارة الأمريكية المقبلة، بصرف النظر عن الجهة التي ستفوز بالإنتخابات، خاصّة أن الرياض على قناعة تامّة بعدم قدرة الإدارة الحالية على إنهاء الملف السوري.
من ناحية آخرى، تحاول السعودية، وكما في المفاوضات اليمنية، تحميل الطرف المقابل تبعات فشل المفاوضات، ومن ثم تحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي مستفيدة من آلتها الإعلامية الضخمة، وهذا ما ظهر في كلام علوش الذي أعلن إستقالته معتبراً أن الرغبة الحقيقية في إنهاء معاناة الشعب السوري غير واردة لديه بشكل جدي، ، ليضيف الجبير خلال مؤتمر صحفي مشترك مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي "عبد اللطيف الزياني"، في جدة، عقب "القمة الخليجية التشاروية""إن التدخل الدولي البري هو الذي سيحسم الوضع في سوريا"، مشيرًا إلى أن بلاده كانت من أوائل الدول التي طالبت وستستمر في المطالبة بذلك.
إذاً، يأتي كلام الجبير إستكملاً لخطوة "علوش"، و"الزغبي" رئيس الوفد المفاوض، في نتفيذ المشروع السعودي الذي ينتهز الفرصة المتبقية حتى موعد الرئاسة الأمريكية.
بشكل عام، تعد الأزمة القائمة في المنطقة، واحدة من أهم الأزمات العالمية الحالية حيث ستحدّد مستقبل غرب آسيا لعشرات السنين. ولعل سوريا مفتاح الحل في هذه الأزمة، فمن يملك مفتاح سوريا، ترتفع حظوظه في إمتلاك منطقة غرب آسيا بأكملها. في حال نجحت أمريكا بالسيطرة على سوريا، ستوجّه ضربة قاصمة لمحور المقاومة من ناحية، وروسيا من ناحية آخرى، ولعل هذا الأمر ما يفسر التدخل الروسي والإيراني في سوريا. بإختصار، هناك تياران يخوضان لعبة الحياة والموت في سوريا فمن يملك مفتاحها، سيجد الأبواب تفتح له في بقية دول المنطقة.