الوقت - لا شك بأن الخلافات الداخلية الإسرائيلية، هي من الأمور التي يجب الوقوف عندها، إنطلاقاً من أهمية فهم حالة العدو. ولأن سياسات الكيان الإسرائيلي تنعكس على المنطقة والعالم، يجب على الرأي العام مراقبة الملف الإسرائيلي عبر مواكبة تطوراته. من هذا المنطلق، خرجت الى العلن حالة الخلاف الكبير بين المؤسسة العسكرية وتلك السياسية في تل ابيب، الأمر الذي استدعى التفات العالم، لا سيما بعد أن تخطى الخلاف حدود المعقول الصهيوني المعتاد. فكيف يمكن تقييم ذلك؟ وكيف سيؤثر الخلاف المُحتدم على مجريات الصراع في المنطقة؟
هناك العديد من الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، والتي كشفت وجود خلافٍ عميق بين المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. فالعديد من القرارات التي يُصدرها الجيش الإسرائيلي، لا ينصاع إليها قادة السياسة، والعكس يحدث أيضاً. ولعل السنوات الأخيرة الماضية، كانت مليئة بالعديد من الملفات الشائكة والمعقدة، والتي ساهمت في تعميق الخلافات، خصوصاً ما يخص موضوع تزايد قوة حزب الله اللبناني، وارتفاع فعالية الإنتفاضة الفلسطينية، والموقف الدولي الراضخ لبرنامج إيران النووي، الى جانب الصراع الدائر في سوريا اليوم. حيث أظهرت هذه الملفات تبايناً في المواقف والقرارات بين القيادة الإسرائيلية، وأدت الى زيادة الضعف في الثقة المتبادلة بينهما.
الخلاف الأخير
ولعل آخر الخلافات، والتي فجرت العلاقة بين المؤسستين، هو ما جرى في الأسابيع القليلة الماضية، خصوصاً ما يتعلق بالحلول المطروحة لحل أزمة قطاع غزة. وعلى رأسها إقتراح إنشاء ميناء، الأمر الذي أشعل خلافاً كبيراً بين المستوى السياسي من جهة، والمستوى العسكري والأمني من جهة أخرى. ففي وقتٍ ترى فيه القيادة العسكرية أن إنشاء ميناء سيُنعش الإقتصاد في غزة، ويُديم حالة الهدوء لسنوات، يخشى الطرف السياسي من إعطاء هذا الإنجاز الكبير للمقاومة الفلسطينية، بما يظهر القيادة الإسرائيلية في مستوى العاجز عن حل الوضع. وهنا فإن القيادة السياسية، تجد في توجيه ضربة قاضية، للمقاومة في غزة، أمراً أكثر إلحاحاً.
وهو الأمر الذي جعل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، والكاتب في صحيفة هآرتس "تسيفي بارائل"، يُلمح إلى حدوث أول انقلاب عسكري يهودي، بفعل التوترات الجارية بين القيادتين السياسية والعسكرية، وأمام المعطيات الواردة من داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث يجد احتمال سقوط الحكومة الحالية أمراً وارداً بقوة.
الخلافات التاريخية الأهم
لم تكن الخلافات الأخيرة فقط، هي التي تدل على حالة الصراع والتناقض بين الطرفين السياسي والعسكري في تل أبيب. بل إنه ومنذ إقامة الكيان الإسرائيلي، يمكن الإشارة إلى أبرز الحالات الخلافية والتي تأتي كما يلي:
- في عام 1977 قرر رئيس وزراء الکيان حينها "مناحيم بيغن"، توقيع اتفاق سلام مع مصر، كان ثمنه الإنسحاب من سيناء، الأمر الذي عارضه قادة الجيش الإسرائيلي بشدة.
- في عام 1993، قرر رئيس هيئة الأركان العامة السابق، إسحق رابين، تبني اتفاق أوسلو، خلافاً لموقف الجيش.
- مع بداية الإنتفاضة الثانية عام 2000، سحب رئيس هيئة الأركان العامة السابق، إيهود باراك، الجيش الإسرائيلي من لبنان، على الرغم من المعارضة الصارخة والعلنية من قبل قيادة الجيش حينها.
- في عام 2005، قرَّر رئيس الحكومة حينها، أرئيل شارون تنفيذ خطة الإنفصال، والخروج من غزة. الأمر الذي اعتبرته قيادة الجيش من أبرز القرارات غير الصائبة والتي نتجت عن القيادة السياسية.
دلالات وتوقعات
وهنا فإن حالة الخلاف العميق بين الطرفين في الكيان، لا سيما ما نتج عنها من إطاحةٍ بيعلون وتعيينٍ لليبرمان، أدت الى التخوف من مستقبل الكيان الإسرائيلي، وهنا يمكن قول التالي:
- يعيش الداخل الإسرائيلي اليوم، حالةً من الإستياء والدهشة، والتي أبداها العديد من قُرَّاء السياسة داخل المجتمع الإسرائيلي، إثر قرار التعيين الأخير. حيث خرجت أصوات محللين تتحدث عن سيناريوهات الإنشقاق داخل المؤسستين السياسية والعسكرية، وإمكانية إسقاط الحكومة الحالية، وتغيير المسار السياسي الإسرائيلي داخلياً وخارجياً.
- وهنا فإن ما يدعم هذه الحالة، هو وصول ليبرمان بحد ذاته. خصوصاً أنها المرة الأولى التي يتم فيها تعيين وزير للجيش، يكون غير مرغوبٍ به من قبل المؤسسة العسكرية. فتاريخ الوزير الجديد يدل على حجم التصادم مع الجيش، ومع خصمه يعلون بالتحديد، كان أبرزها في الحرب الأخيرة على غزة.
- بالإضافة الى ذلك وعلى الرغم من وجود آراء تُشير الى إمكانية تغيُّر سلوك ليبرمان، فإن العديد من المنظرين الإستراتيجيين في الكيان، يتخوفون من تطرف الوزير الحالي. فهو الذي نادى بقصف السد العالي في أسوان، وتدمير طهران! كما يُعتبر صاحب الرأي الداعي لفرض عقوبة الإعدام على المقاومين الفلسطينيين، والقضاء على حكم "حماس" في قطاع غزة.
ماذا حول المسقبل
على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي وقيادة تل أبيب السياسية ينطلقون من مبادئ عنصرية، فإن سياساتهم ليست كما يظن البعض همجية. وهنا لا بد من ذكر التالي:
- تتعاطى القيادة الإسرائيلية بمنطق التوازنات على الصعيدين الأمني والعسكري. وهو الأمر الذي برز دائماً في حربها مع حركات المقاومة. فالقيادة الإسرائيلية، تعترف بقوة الخصم وتحديداً حزب الله. وبالتالي تتعامل مع ذلك من منطلق العين بالعين. أي تتوخى الحذر في الهجوم أو في ردة الفعل، تيقناً منها بأنها أمام عدوٍ يُتقن موازين القتال عسكرياً وأمنياً.
- وهنا فإن عقيدة الجيش، والتي يقوم على أساسها الكيان الإسرائيلي، تتعامل وفق معطيات، لا تخلو من التسرع أحياناً، لكنها لا تنطلق من عقيدة التطرف. والتي تُعتبر التخوف الحقيقي والتحدي الحالي، الذي طرأ نتيجة وصول ليبرمان الى السلطة.
- وهنا فإن مواقفه من الإنتفاضة الفلسطينية على سبيل المثال، يختلف مع سياسة الجيش الإسرائيلي. فالجيش أعطى أوامره بعدم التصعيد وعدم استسهال الضغط على الزناد، وتوخي الحذر في عمليات القصف في القطاع، بعد إطلاق الصواريخ. ليس حباً بالفلسطينيين، بل في محاولةٍ لإقامة توازنٍ عسكريٍ مفهوم لدى الطرفين.
إذن ترى العديد من الأوساط السياسية والعسكرية، بأن جنون نتنياهو المعهود، قد يكون تلاقى مع تطرف ليبرمان. الأمر الذي يمكن أن يؤثر على سياسات الكيان الإسرائيلي، الأمنية والعسكرية. وبالتالي سينعكس على أدائه السياسي. فيما تخاف تل أبيب، خصوصاً في ظل ملفات الصراع المختلفة، إن في الداخل الفلسطيني، أو مع حزب الله اللبناني، الى جانب مشروع التسوية وملفات سوريا وإيران، من تحوُّل عقيدة الكيان من عقيدة التوازنات المعقولة، الى عقيدة التطرف التي لا تحتمل ردات الفعل.