الوقت- مع حلول ذكرى النكبة الفلسطينية، و ازدياد الحديث عن خطر الاستيطان، و المساعي الفلسطينية لإعداد قرار ضده في مجلس الأمن، و ما تبعه من تبديد لهذه المساعي بالترويج لفكرة مؤتمر دولي في باريس تعده فرنسا حول القضية الفرنسية و ما رافقه من رفض قاطع من قبل الكيان الاسرائيلي و غيرها من هوامش حول هذا الموضوع طرحناه في حوارنا مع المناضل و الباحث الفلسطيني الدكتور "حسين أبو النمل" و الذي جاء فيه:
الوقت: في الوقت الذي كان الفلسطينيون يعملون على اعداد مشروع قرار لتقديمه لمجلس الأمن بدأ الحديث عن مؤتمر دولي برعاية فرنسية في باريس حول القضية الفلسطينية، هل برأيكم فكرة المؤتمر هي مسعى فرنسي جاد؟ أم أنها تضييع للوقت و تبديد للجهود الفلسطينية؟
الدكتور حسين: "في الحقيقة السؤال يتضمن جوابه، و برأيي هناك فكرة للدعوة لمؤتمر و هذه الفكرة تطرحها دولة بحجم فرنسا، و يبقى السؤال اذا ما وضعنا هذه الفكرة جانباً، في وقت تعوّد فيه الفلسطينيون على الحديث المتكرر حول المؤتمرات منذ بدأت القضية الفلسطينية، هل سيتحول هذا المؤتمر إلى واقع؟ هذا أولاً، و اذا ما تحقق، فهل سيستجيب إلى الحقوق الفلسطينية؟ بالتالي هذه الفرضيات و الشكوك مشروعة، و لكن علينا أيضاً أن ننتبه أن القضية الفلسطينية قد غابت عن رأي و ذهن البعض، و لكن الغرب يعرف جيداً أنها المحرّك الأساسي للكثير من الأفعال و الأحداث التي تشهدها منطقتنا، و بالتالي هناك محاولة مرة أخرى لتعطيل الصاعق الفلسطيني بإعتبار أنه اذا نحن و للأسف نسينا دور و مكانة فلسطين، الغرب يدرك جيداً ان العنصرالأساسي للتوتر النفسي و ليس فقط السياسي لدى شعوب المنطقة من عرب و مسلمين هي بالأساس القضية الفلسطينية، لذا هناك مساعي على الأقل لمحاولة القول للفلسطينين أنه هناك مجال لتقديم حلول و هذا أقلّه يحقق مكسب صافي لصاحب هذه الدعوة و هو عدم إيصال الفلسطينين إلى قناعة أنه لا فائدة من هذه العملية السياسية."
الوقت: و لكن و لتحديد سؤالنا السابق أكثر هل تعتقد أن الدعوة الباريسية هي لتضييع الجهد الذي كان يُبذل لتحصيل قرار من مجلس الأمن؟
الدكتور حسين: "هناك ربط بين هذا و ذاك و لكن في هذه المسألة علينا ان نكون حذرين، فوجود مشروع لا يعني أنه أصبح واقعاً، و اذا أصبح واقعاً فهذا لا يعني أنه سيستجيب للحقوق الفلسطينية، أما فيما يتعلق بتحضير الفلسطينين لقرار و إيقاف هذا التحضير، و بالتالي تفسير المحاولة الفرنسية على انها فقط لقطع الطريق على القرار الفلسطيني، فحسناً هذه المرّة قطعوا الطريق و لكن في المرّات القادمة كيف سيفسّر هذا الأمر، دعنا لا نحكم على الأمر بسرعة، و نتروى و ليس بالمعنى الايجابي للكلمة بل بمعنى الحذر، فما دام هناك مبادرة فرنسية فهذا يعني أنه لها أسباب و لها وظائف و بالتالي علينا أن نلحظ هذه الوظائف و إن كان بالإمكان أن أجزم بأمر واحد و هو أن القضية الفلسطينية ضاغطة جيداً على الرأي العام الغربي و يعرفون جيداً انه لا يمكنهم أن يديروا ظهرهم لهذه القضية الى ما لا نهاية، ارتباطاً بالإنفجارات التي تشهدها المنطقة اليوم."
الوقت: رأينا امتعاضاً كبيراً من "نتنياهو" و الداخل في الكيان الاسرائيلي من فكرة المؤتمر، كيف تقرؤون ذلك؟ و هل هناك سوء تفاهم فرنسي صهيوني حول الفكرة؟
الدكتور حسين: "سيدي العزيز أخبرك و بحكم متابعتي المديدة لسلوك اسرائيل، فهي تتفنن في إبداء غضبها و احتجاجها، في محاولة لاشعار العالم أنها في خطر و أن العالم يتجه ليصبح بالكامل ضدها، و ليس فقط مع فرنسا لا بل مع أي شيء لا يوافق و يزايد عليهم، فحفظاً لمصالحهم يعتبرونه خطراً كبيراً و خطراً على وجودهم، فبالتالي و كأقرب مثل للذهن و هو الملف النووي الإيراني، رأينا أنه في الوقت الذي تمتلك فيه اسرائيل 200 قنبلة نووية أدارت صراخاً "له أول و ليس له أخر" بأن إيران تشكل عليها خطراً كبيراً، ربما إيران تشكل خطراً محتملاً في المستقبل ولكن من أعجب الأمور أن يجري الحديث عن خطر تمثله إيران احتمالاً بينما هناك خطر قائم متمثل بالسلاح النووي الإسرائيلي و القائم منذ 20 الى 30 سنة، لذا فالـ"زعبرة" الإسرائيلية لا يجب الوقوف عندها كثيراً إلا اذا ما اعتبرت رسالة للغرب، كنموذج في الملف النووي الايراني فهم عندما يمارسون هذا القدر الكبير من الصراخ و نحن نصدق أن أمريكا على خلاف مع اسرائيل في هذا الموضوع ليتبين لاحقاً أن الأمريكي لم يقدم على أي خطوة دون موافقة الاسرائيلي. فلهذا الدلال الاسرائيلي و "الزعبرة" يجب النظر اليهم من هذا المنظار الذي فيه مبالغة شديدة في تكبير المخاطر."
الوقت: على ذكر الامريكي، سمعنا "بيل كلينتون" يقول بالأمس أنه حاول مراراً إعطاء الفلسطينيين دولة و لكنهم لم يقبلوا كل مقترحاته، كيف تقرأ تصريحه في هذا الوقت؟
الدكتور حسين: " لا نحتاج لهذا السؤال لنقول أن "كلينتون" يتصرف على نحو مقلوب، فهو يقول أعطي للفلسطينيين دولة، و كأنه سيعطي من ملكية خاصة به أو بالولايات المتحدة الأمريكية، هو و بالطريقة التي تحدث بها و كأنه يقول بأمر منا و ليس كحق للفلسطينيين بوطنهم و دولتهم، و بالتالي يريد أن يقول أنا أردت مساندتهم، مساندتهم تكون بتحصيل حقوقهم المؤكدة و التي لا تنتظر تقريرها بل تحقيقها ما يحتاج الى دعم، لكن مجرد قوله حاول اعطائهم فيها رسالة مركبة ضد الفلسطينيين، الرسالة الأولى اظهار نفسه على انه كان صديق للفلسطينيين، و الثانية أن الفلسطينيين قد أضاعوا فرصة و هذه خدمة لأطروحة صهيونة قديمة و تقول ان الفلسطنيين فنانين بتضييع الفرص، و كأن عدم قبول الفلسطيني التخلي عن وطنه هو تضييع لفرصة، و برأيي أنه كان على "كلينتون" ان يكون أكثر ذكاءاً لأنه و ببساطة شديدة فيما قاله رسالة لاسرائيل تحمّل الفلسطينيين مسؤولية عدم الحصول على دولة و تعفي الاسرائيلي من ذلك، في الوقت الذي يتحدث العالم كلّه عن مسؤولية اسرائيل على هذا الصعيد، و يبقى السؤال حول توقيت هذا التصريح الذي يأتي في الوقت الذي تترشح السيدة "هلاري كلنتون" لرئاسة الجمهورية و هي بحاجة الصوت اليهودي، و أعتقد أن هذا التصريح ينفعها كثيراً."
الوقت: في ذكرى النكبة بالأمس شهدنا تنديداً من الجامعة العربية و مطالبتها للمجتمع الدولي بالتدخل لحماية الفلسطينيين، فأرجع المحللون هذا الإهتمام العربي الغير مسبوق بفلسطين إلى محاولة بعض الدول العربية الاستفادة من مؤتمر باريس ربما لفتح و تطوير علاقاتها مع الكيان الاسرائيلي حتى لو كان ذلك على حساب الفلسطينيين، ما رأيكم؟
الدكتور حسين: "أنا أتابع منذ مدة التجاذب الحاصل حول هذا الموضوع و حول محاولة بعض الدول العربية فتح علاقات مع اسرائيل، و أقول انه من يريد أنه يفتح هذا الموضوع و هو له مساحة واسعة من المنطق عليه أن يتذكر أن فتح العلاقات على مصرعيها بدأ مع مؤتمر القمة العربية عام 2002، و بالمبادرة العربية، و بدأ قبل ذلك مع اتفاق 94 في وادي عربة و اتفاق 93 في اوسلو، و قبل ذلك في كامب دافيد، و أن الأبواب مفتوحة على مصرعيها بعدد من السفارات في عدد من الدول العربية، و اذا أردنا ان نتكلم عن علاقة خفية و سرّية مع هذه الدولة أو تلك هذا أمر هام و لكن ما هو اهم ان لا نغفل أن العلاقات الاسرائيلية مع النظام العربي هي ليست بنت العقد الأخير و هي ليست مداورة و سرّية و تعقد على هامش هذا المؤتمر أو ذاك بشكل سرّي، بل هي ممثلة باتفاقات رسمية معروفة، لكن ما يحدث الآن و كما حصل تاريخياً أن نحرّك مسألة ما لاعتبارات سياسية، و من يريد ان يتحدث في العلاقات العربية الاسرائيلية عليه أن يبدأ من كامب دايفید."
الوقت: نعم نوافقكم الرأي و لكن هناك دول تريد أن تظهر علاقتها السرّية مع الكيان، و شهدنا ذلك في غير محاولة، من لقاءات تركي الفيصل و غيره مع الصهاينة، فالسؤال هل يكون المؤتمر في باريس بوابة الإعلان عن هذا الأمر؟
الدكتور حسين: "هذه الدول حين يكون لديها مصالح و سياسات تفعل كل شيء سلبي أو ايجابي من أجل تحقيق مصالحها."
الوقت: حتى و إن كان الثمن التضحية بحقوق الفلسطينيين؟
الدكتور حسين: "عندما نتحدث عن التضحية بفلسطين، يكون الكلام أحد شيئين، إما يكون كاملاً أو لا يكون، فالتضحية بفلسطين و هذا ليس تبرير لأي أحد بل لوضع الأمور في نصابها، فحقيقة المشكل هو بأن لا نبدأ التاريخ من نقطة معينة بل نبدأه من بدايته الصحيحة، فالنظام العربي بقضه و قضيضه وافق على قرار 242 و وافق على قرار 338 ووافق على تسوية سياسية مع اسرائيل، و بالتالي هذا الأمر مثبت تاريخاً قبل أن يولد هذا الجيل، فهذا الأمر أقرّ بعد حرب تشرين 1973 و قبول قرار 242 تم بعد حرب 64، بعد ذلك و بما أن هذا الخيار الواسع قد فتح أصبح هناك تدرج بدخوله على مراحل، لذا فالمصيبة أكبر من أن نتحدث عن شخص التقى بمسؤول هنا و هناك، فهناك دول علاقتها أكبر و أوضح و فيها من التمثيل ما هو أقرب الى التمثيل الدبلوماسي، و هذا لا يشكل أي تبرير لأي دولة عربية اطلاقاً للقيام بعلاقات مع اسرائيل."
و أكمل قائلاً: " اذا ما أردنا أن ندافع عن حتمية الصراع العربي الاسرائيلي، علينا أن لا ندخل بصرعات سياسية راهنة، نعم هناك أخطاء هنا و هناك، و لكن على الأقل و كشخص نزيه أتحدث عن الأمور منذ بداياتها الحقيقية، و بالمناسبة اذا كان هناك موقف مبدئي من العلاقات مع اسرائيل، و انا أدعو لذلك، فهذا الموقف يجب أن يسحب نفسه على الجميع و على كل من وافق على القرار 242، و جميع القرّاء يعرفون أن هذا الأمر موثق و مؤكد على مراحل و ممثلاً باتفاقية كامب دايفيد و قبول جميع الدول العربية التي شاركت بالحروب ضد اسرائيل على القرار 242 و الخ.."
و استدرك قائلاً: "أما في اللحظة الراهنة اذا ما كان هناك أمثلة تطبيقية جديدة، فأقول أنه لم يبقى أحد لم يمد يده على الدم الفلسطيني و على حساب المصلحة الفلسطينية، و بالتالي علينا ادانة العلاقة مع اسرائيل و يجب أن نبدأ من ناحيتها المبدأية و بعد ذلك نأخذ تطبيقاتها، و هذا لا يشكل تبرير لأحد."