الوقت- في كلامه الأخير حول المؤامرات التي تُحاك ضد الإسلام، أشار قائد الثورة الإسلامية الامام السيد علي الخامنئي، الى أن أمريكا هي أم الإرهاب في العالم، بل تعمل مع الغرب على صياغة حربٍ ضد الشرق والإسلام، لتشويهه وإفراغ العالم الإسلامي من مضامينه الحقيقية. فيما أشار سماحته، الى أن المسؤولية الأهم للأمة الإسلامية، تكمن في التصدي لهذا النهج الغربي الجاهلي بزعامة امريكا. محاولاً التمييز بين نهجي "البعثة" والذي قادته إيران منذ انتصار ثورة الإمام الخميني(قد سره) وما تزال، و "الجاهلية" الذي يقوده الغرب بزعامة أمريكا. فكيف يمكن إثبات استراتيجية التخويف الذي يعتمدها الغرب تجاه الإسلام والمسلمين؟ ولماذا تُعتبر هدفاً مقصوداً؟
يجب الإيمان بأن سياسة الاسلام فوبيا التي يعتمدها الغرب، هي سياسة قائمة على مُخطِّطٍ مقصود الوجهة، مدروس الإستراتيجيات. بل إن مسألة توارث الحقد على الإسلام، يُعتبر منهجيةً يعتمدها الغرب منذ ما قبل الحروب الصليبية. وهنا نُشير الى عددٍ من الأدلة:
- يُشير "محمد أسد" الكاتب والصحفي والمفكر النمساوي المعروف في القرن العشرين، والذي اعتنق الإسلام تاركاً اليهودية، وكان يحمل اسم "ليوبولد فايس"، فغيَّره بعد اعتناقه الإسلام، في كتابه "الإسلام على مفترق الطرق" الى أن الموقف الأوروبي الكاره للإسلام والمسلمين لا ينطلق من اللامبالاة، كما هي الحال في تعاطيه مع الأديان والثقافات الأخرى، بل هو كره عميق الجذور يقوم في الأكثر على التعصب الشديد. وهو الأمر الذي يمكن اثباته من خلال مراجعة التاريخ، لنجد أن أوروبا وُلدت من رحم الحروب الصليبية.
- وهنا فإن هذا الحقد الموروث، انتقل من أوروبا الى أمريكا، وهو ما يمكن تأكيده من خلال الكلام الواضح الذي كتبه التاريخ، وصرَّح به "أيوجن روستو" رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، ومستشار الرئيس الأمريكي "ليندون جنسون" لشؤون الشرق الأوسط حتى العام 1967، بأن الظروف التاريخية تُثبت بأن أمريكا هي جزءٌ مكمِّلٌ للعالم الغربي، بفلسفته، وعقيدته، ونظامه. وهو الأمر الذي يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي. وهنا يؤكد "جنسون"، بأن أمريكا لا تستطيع إلا أن تقف في الصف المُعادي للإسلام، وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها.
من هنا نجد أن مسألة الاسلام فوبیا ليست بجديدة، بل إنها بدأت منذ زمنٍ طويل. فكيف يمكن تأكيد ذلك، من خلال التاريخ السياسي المعاصر؟
لم تختف لغة التعصُّب الأعمى في التاريخ الجديد، بل يمكن القول أنها أخذت تتبلور من خلال سياساتٍ أكثر تعقيداً وتأثيراً. وهنا نشير للتالي:
- يقول "وليام إيوارت غلادستون"، والذي تولى رئاسة الحكومة البريطانية أربع مرَّات، بأنه ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق. وهو ما يدل على أن فكرة تشويه الإسلام لم تقم فقط لمجرد التشويه، بل هي تنطلق من الإيمان بأنها سرُّ السيطرة على بلاد الشرق والمسلمين. وهو الأمر الذي استمر في العقل الغربي حتى أواخر القرن العشرين ومع سقوط الإتحاد السوفييتي، حيث بدأت تتكشف حقيقة المُخطط الغربي، تجاه العالم الإسلامي. فقد أشار "ولي كلايس" الأمين العام السابق للناتو لصحيفة الإندبندنت البريطانية حينها، الى أن الخطر الذي يشكله الإسلام والمسلمون هو من أهم التحديات التي تواجه الغرب بعد تفكك الإتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وزوال خطر الفكر الشيوعي.
- ومنذ ذلك الوقت حتى عهد الرئيس الأمريكي بوش الإبن، كانت تتكشف يوماً بعد يوم كراهية الغرب للإسلام والمسلمين. حيث كانت مقولته الشهيرة "سوف أعلنها حرباً صليبية"، حول الحرب في أفغانستان والعراق. وبدأت تتوضَّح معالم التشويه من خلال الترويج للحرب على الإرهاب عبر جعل الإرهابيين مسلمين. وهو الأمر الذي أثبته تقريرٌ صدر عن "المركز الأمريكي للتقدم" عام 2011، عنوانه " إسلاموفوبيا: جذور شبكة التخويف من الإسلام"، حيث سرد التقرير معلومات حول الجهات التي ترعى هذه الصناعة ومصدر الأموال التي تُنفق وحجم الأثر الذي صنعته في المجتمع الأمريكي. وفضح التقرير المجموعة الصغيرة التي تتكون من خبراء التضليل، الذين يعملون في الليل والنهار، لموافاة الملايين من الأمريكيين بمعلومات خاطئة عن الإسلام. وهو ما ثبت بحسب التقرير، على سبع مؤسسات خلال عشرة أعوام. وهي المؤسسات التي تُمول خبراء التضليل: صندوق كبار المانحين، مؤسسة ليند وهاري برادلي، مؤسسة نيوتن وبيكر روشيل، مؤسسة ريتشارد ميلون سكيف، مؤسسة روسل بيري، صندوق ويليام روزنوولد العائلي، ومؤسسة فيربروك. واستطاعت هذه المؤسسات تأمين ما يقارب 42 مليون دولار خلال هذه السنوات.
- وحين بدا للإدارة الأمريكية بأن الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط وقيادة الحرب على الإسلام ميدانياً أمرٌ موجع، قرّرت واشنطن تغيير سياستها، وإقحام الآخرين في حربها بالوكالة. بل سعت لتوظيف طاقات المسلمين في الحرب على الإسلام، تحت مُسمى الحرب على الإرهاب. وهو ما يبدو واضحاً في القراءة بين السطور لخطاب "أوباما" في شهر كانون الثاني 2015، حيث أشار الى أن واشنطن تقف الى جانب الذين استهدفهم الإرهابيون في جميع أنحاء العالم، من مدرسةٍ في باكستان إلى شوارع في باريس. مؤكداً على الإستمرار في مطاردة الإرهابيين وتفكيك شبكاتهم. ليُكمل الرئيس الأمريكي قائلاً: "بدلاً من قيام الجيش الأمريكي بدوريات في أودية أفغانستان، قمنا بتدريب قواتهم الأمنية التي تتولى الآن زمام القيادة... وبدلاً من إرسال قوات برية كبيرة إلى الخارج، نتعاون في إطار شراكة مع دول من جنوب آسيا إلى شمال أفريقيا لحرمان الإرهابيين الذين يُهددون أمريكا من إيجاد الملاذ الآمن".
إذن تبدو الصورة أوضح الآن. ومعها يُمكن فهم جوهر الخطاب الذي أطلقه سماحة السیدالخامنئي. فما يجري اليوم من محاولةٍ لترسيخ التكفيريين كواقعٍ مؤلمٍ للأمة الإسلامية يأتي في هذا السياق. فيما يجب الإلتفات الى ضرورة المضي قُدماً في نهج "البعثة" للقضاء على نهج "الجاهلية"، ومنعه من تشويه صورة الإسلام. وهو ما لا يكون إلا بترسيخ الوحدة الإسلامية، وجعل أمريكا العدو الأساسي في المعركة ضد الإرهاب. فيما يمكن الوصول الى نتيجةٍ مفادها أنه: بين فصل خطاب القائد وحقائق التاريخ: "الإسلام فوبيا" سياسة الغرب المقصودة.